يدخلهم الجنة التي عرفها لهم، واللام في (لهم) لام الأجل، وهذه الأقوال كلها من التعريف الذي هو واقع المعرفة.
وروي عن ابن عباس قول آخر، قال عطاء: يريد طيبها لهم (¬1)، وهذا القول اختيار المؤرج (¬2) وأصحاب اللغة (¬3) وأصله من العَرْف وهو الرائحة الطيبة، وطعام مُعرّف، أي: مطيب، وأنشدوا قول الأسود بن يعفر:
فَتُدخِلُ أيدٍ في خناجرَ أُقْنِعت ... لِعَادتِها من الخَزِيرِ المُعَرَّفِ (¬4)
وعلى هذا معنى الآية: طيبها لهم بما خلق فيها من الروائح الطيبة، وقال بعض أهل المعاني: طيبها لهم بضروب الملاذ التي تتقبلها النفس تقبل ما تعرفه ولا تنكره (¬5)، وروى أبو العباس عن بعضهم في قوله: (عرفها لهم). قال: هو وضع الطعام بعضه على بعض من كثرته، وخزير معرَّف بعضه على بعض (¬6)، وعلى هذا القول هو من العُرْف المتتابع كعُرْف الفرس.
¬__________
(¬1) ذكر هذا القول الماوردي في "تفسيره", ولم ينسبه 5/ 294، ونسبه في "الوسيط" لعطاء عن ابن عباس 4/ 121، وذكره البغوي ونسبه لعطاء 7/ 280.
(¬2) ذكر ذلك الثعلبي في "تفسيره" 10/ 125 أ.
(¬3) انظر: "تهذيب اللغة" (عرف) 2/ 345.
(¬4) البيت استشهد به ابن قتيبة في "تفسير غريب القرآن" ولم ينسبه ص 410، وهو في "تهذيب اللغة" منسوب للأسود بن يعفر 2/ 345، ومعنى أقنعت: مدت ورفعت للفم والخزير: الحساء من الدسم.
وقد استشهد بالبيت الثعلبي في "تفسيره" ولم ينسبه 10/ 125 أ.
(¬5) انظر: "معاني القرآن" للنحاس 6/ 466، و"زاد المسير" 7/ 398، و"الجامع لأحكام القرآن" 16/ 231.
(¬6) أنظر: قول أبي العباس في "تهذيب اللغة" (عرف) 2/ 345، وفي "الجامع لأحكام القرآن" من غير نسبة 16/ 231.