كتاب التفسير البسيط (اسم الجزء: 20)

شَهدنا فَمَا تَلْقَى لَنَا مِنْ كَتِيْبَةٍ ... يَدَ الدَّهرِ إلَّا جبْرئيلٌ أمَامُها (¬1)
وهذا محذوف المفعول التقدير فيه: شهدنا المعركة أو من اجتمع لقتالها، وهذا الضرب يتعدَّى إلى مفعول واحد، فإذا نقل بالهمز تعدَّى إلى مفعولين تقول: شهد زيد المعركة، وأشهدته إياها، ومن ذلك قوله: {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (¬2) [الكهف: 51]، فقوله: {أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} من الشهادة التي هي الحضور، كأنهم وبِّخوا على أن قالوا ما لم يحضروا له، مما حُكْمُه أن يُعْلم بالمشاهدة، ومن قرأ: (أَأشْهِدوا) فالمعنى: أو أحضروا ذلك (¬3)، ويقوي هذه القراءة قوله: {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ} [الكهف: 51]، وقال المبرد: القراءتان تؤولان إلى معنى؛ لأنه لا يشهد هذا الموضع أحد إلا أن يشهده الله (¬4). [فإذا شهدوا وأشهدوا، وإذا شهد فقد شهدوا] (¬5).
قال ابن عباس: يريد أحضروا أو عاينوا خلقهم.
قال الكلبي ومقاتل: لما جعلوا الملائكة بنات الله سألهم النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "ما يدريكم أنهم إناث؟ " قالوا: سمعنا من آبائنا ونحن نشهد أنهم لم
¬__________
(¬1) البيت لحسان بن ثابت في ملحقات "ديوانه" 1/ 522، وينسب البيت لكعب بن مالك. انظر: "الخزانة" 1/ 199، "اللسان" (جبر) 4/ 114، "الحجة" 6/ 142.
(¬2) انظر: "الحجة للقراء السبعة" 6/ 142، وفيها: أو من اجتمع لقتالنا، بدل قتالها، وكتاب: التذكرة في القراءات 2/ 666، "الكشف" لمكي 2/ 257.
(¬3) كذا رسمها في الأصل وفي "الحجة" (أأشهدوا)، فالمعنى: أأحضروا ذلك، انظر: 6/ 146.
(¬4) لم أقف على قول المبرد، وقد ذكر نحو ذلك النحاس في "إعراب القرآن" 4/ 104.
(¬5) كذا رسمها في الأصل، وفي "إعراب القرآن" للنحاس (لأنهم إذا شهدوا فقد أشهدوا).

الصفحة 25