كتاب التفسير البسيط (اسم الجزء: 20)

عنهم، ومضيت إليهم، ومضيت عنهم.
وهكذا قال أبو إسحاق الزجاج في هذه الآية كما قال الفراء (¬1) قال: معنى الآية: أن من أعرض عن القرآن وما فيه من الحكمة إلى أباطيل المضلين، يعاقبه بشيطان يقيضه له حتى يضله ويلازمه قرينًا له، فلا يهتدي مجازاة له حين آثر الباطل على الحق البين (¬2).
قال الأزهري: وأبو عبيدة صاحب معرفة الغريب، وأيام العرب، وهو بليد النظر في باب النحو ومقاييسه، انتهت الحكاية عن الأزهري (¬3)، والقول ما اختاره؛ لأن الإعراض عن القرآن صح يعني من العمى عنه، ولهذا الوجه أدلة من التنزيل كقوله: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} [طه: 124] وقوله: {وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ} [الجن: 17] والأول ليس ببعيد، ويحمل على أنه يعمى عن الاستدلال بحججه والتأويل في تبيانه، ونظيره من التنزيل قوله: {الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي} [الكهف: 101]
قوله: {نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا} تفسير التقييض قد تقدَّم في سورة السجدة [آية: 25]، قال مقاتل: يعني يضم إليه (¬4).
(فهو له) في الدنيا (قرين) يعني صاحبًا يزين له العمى، وقال ابن عباس: فهو له قرين: يريد في الدنيا والآخرة (¬5).
¬__________
(¬1) انظر: "معاني القرآن" للزجاج 4/ 411، "معاني القرآن" للفراء 3/ 32.
(¬2) انظر: "معاني القرآن" للزجاج 4/ 412، لكنه بأخصر مما هنا، وهذا القول بنصه في "تهذيب اللغة" 3/ 56 (عشا) وفي "الوسيط" 4/ 72.
(¬3) انظر: "تهذيب اللغة" وقد اختصر المؤلف في بعض المواضع من كلام الأزهري (عشا) 3/ 55 - 57.
(¬4) ذكر ذلك المعنى البغوي 7/ 213 ولم ينسبه، ولم أقف عليه عند مقاتل.
(¬5) انظر: "تفسير الماوردي" 5/ 226، "تنوير المقباس" ص 492، وقال القرطبي: =

الصفحة 44