كتاب التفسير البسيط (اسم الجزء: 20)

أحدهما: أنه أمر بالتولي عن الكفار ووعظ المؤمنين. يدل على هذا قوله: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} قال الكلبي: عظ بالقرآن من آمن من قومك، فإن الذكرى تنفعهم (¬1).
القول الثاني: أنه أمر أن يُذكر ويعظ الكفار. وهو قول مقاتل. يقول: عظ كفار مكة بوعيد القرآن، فإن الذكرى تنفع المؤمنين، يعني من في علم الله أن يؤمن منهم (¬2). وهذا القول أشد موافقة لما ذكرنا في الآية الأولى.

56 - قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} تعلقت القدرية بهذه الآية وقالوا: دلت الآية على أن الله تعالى خلق كل مكلف لعبادته وأراد منهم العبادة. ولا حجة لهم في هذه الآية إذا تدبرت قول العلماء فيها ومذاهبهم في تفسيرها (¬3). والآية فيها مذاهب للمفسرين.
أحدهما: التخصيص، وهو أن المراد بالجن والإنس مؤمنو الفريقين. وهو قول الكلبي، والضحاك، والفراء، وعبد الله بن مسلم. قال الكلبي: هذا خاص لأهل طاعته. يعني: ما خلقت مؤمني الجن والإنس إلا ليعبدون (¬4). وقال الضحاك: هذا خاص في أهل عبادة الله وطاعته. يدل عليه قوله: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} [الأعراف: 179] والذين ذرأهم للنار لا يكونون ممن ذرأهم لعبادته. وهذه الآية التي نحن
¬__________
(¬1) انظر: "الوسيط" 4/ 181، "معالم التنزيل" 4/ 235.
(¬2) انظر: "تفسير مقاتل" 127 ب، "معالم التنزيل" 4/ 235، "فتح القدير" 5/ 92.
(¬3) انظر: "جامع البيان" 27/ 8، "دقائق التفسير" لابن تيمية 4/ 527، "فتح القدير" 5/ 92.
(¬4) انظر: "الكشف والبيان" 11/ 190 ب، "الوسيط" 4/ 181، "معالم التنزيل" 4/ 235.

الصفحة 465