كتاب التفسير البسيط (اسم الجزء: 20)

وأما أهل المعاني فلهم أيضًا أقوال سديدة في معنى الآية:
أحدها: أن المعنى قوله: {إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} إلا ليخضعوا لي ويتذللوا. وهذا معنى العبادة في اللغة، وكل أحد من مؤمن وكافر، وبر وفاجر، فهو خاضع لقضاء الله متذلل لمشيئته، خَلَقه على ما أراد، ورزقه كما قضى، لا يملك أحد لنفسه خروجًا عما خلق عليه، فقد حصل هذا الخضوع والتذلل من كل أحد (¬1).
القول الثاني: أن معنى الخلق في قوله: {وَمَا خَلَقْتُ} خلق التكليف والاختيار، لا خلق الجبلة والطبيعة (¬2)، فمن وفقه وسدده أقام العبادة التي خلق لها، ومن خذله وطرده حرمها وعمل ما خلق له (¬3). وقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا المعنى بقوله: "اعملوا فكل ميسر لما خلق له" (¬4).

57 - قوله تعالى: {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} قال عطاء عن ابن عباس: ما أريد أن يرزقوا من خلقي أحدًا، ونحوه قال مقاتل، والزجاج. وقال الكلبي: {مِنْ رِزْقٍ} أن يرزقوا أنفسهم. ونحوه قال
¬__________
(¬1) انظر: "الكشف والبيان" 11/ 191 ب، 192 أ، "الوسيط" 4/ 181، "معالم التنزيل" 4/ 235، "فتح القدير" 5/ 92. وهو اختيار ابن جرير أيضًا "جامع البيان" 27/ 8.
(¬2) انظر: "دقائق التفسير" 4/ 529، "فتح القدير" 8/ 600.
(¬3) في (ك): (لها).
(¬4) حديث متفق عليه. أخرجه البخاري في كتاب: التفسير سورة {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} 6/ 212، كتاب: القدر، باب: جف القلم على علم الله 8/ 153، ومسلم في كتاب: القدر، باب: كيفية الخلق الآدمي 4/ 2041. وأخرجه أحمد في "المسند" 1/ 82، 129، انظر: "شرح الطحاوية" 318 وما ذكره المؤلف هنا جزء من الحديث. اقتصر على مكان الشاهد منه.

الصفحة 468