كتاب التفسير البسيط (اسم الجزء: 20)

وقوله: {وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ}. قال ابن عباس ومقاتل: يريد عظة لمن بقي بعدهم (¬1) وآية وعبرة، والمعنى: أن حال غيرهم من المشركين يقاس بحالهم ويجروا مجراهم إذا ماتوا على الطغيان. قال أبو علي: والمثل واحد يراد به الجمع، ومن ثم عطف على سلف، ويدلك على وقوعه أكثر من واحد. قوله: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ} [النحل: 75]، فأوقع لفظ الإفراد على التثنية، وكذلك أفرد في موضع التثنية فيما أنشد سيبويه:
وَسَاقِيَيْنِ مِثْلِ زَيْدٍ وجُعَلْ (¬2)
وقد جمع المثل في قوله: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ} [الحشر: 21] وقوله: {ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38]، وأفرد في قوله (¬3): {إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} [النساء: 140].

57 - قوله تعالى: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} قال ابن عباس في رواية عطاء: يريد لما ذكر عيسى، وقدرة الله تعالى فيه وخلقه إياه من غير ذكر، وما كان يفعل من إحياء الموتى وغير ذلك إذا قومك منه يصدون يريد: يضجون كضجيج الإبل بالأثقال (¬4).
وقال مجاهد في هذه الآية: قالوا إنما يريد محمدٌ أن نعبده كما عبدَ
¬__________
(¬1) انظر: "تفسير الطبري" 13/ 85، "تفسير مقاتل" 3/ 798.
(¬2) هذا صدر البيت وعجزه:
سقبان ممشوقان مكنوزا العضل
انظر: "الكتاب" 2/ 17، "شرح أبيات" سيبويه ص 95، "الحجة" 6/ 153.
(¬3) انظر: "الحجة" 6/ 153.
(¬4) ذكر ذلك القرطبي في "الجامع" 16/ 103.

الصفحة 64