كتاب التفسير البسيط (اسم الجزء: 20)

قولكم، والله -عز وجل- لا شريك له (¬1). والمعنى إن كنتم تزعمون أن للرحمن ولدًا جل وعز فأنا أول الموحدين؛ لأن من عبد الله واعترف أنه إلهه فقد دفع أن يكون له ولد، واختاره ابن قتيبة فقال: لما قال المشركون لله ولد ولم يرجعوا عن مقالتهم بما أنزل الله على رسوله من التبرؤ من ذلك، قال الله لرسوله: قل لهم إن كان للرحمن ولد أي عندكم وفي ادعائكم فأنا أول العابدين؛ أي: أول الموحدين، ومن وحد الله فقد عبده، ومن جعل له ولدًا وندًا فليس من العابدين، وإن اجتهد، ومنه قوله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] أي ليوحدون (¬2)، واختاره الأزهري أيضًا فقال: المعنى إن كان للرحمن ولد في دعواكم، فالله -عز وجل- واحد لا شريك له، وهو معبودي الذي لا ولد له ولا والد (¬3).
الوجه الثاني: أن يكون {الْعَابِدِينَ} من عبد بمعنى غضب، قال ابن عباس: إن كان للرحمن ولد كما تزعمون فأنا أول من غضب للرحمن أن يقال: له ولد (¬4) وأنشد:
متى ما يَشَأ ذُو الوُدِّ يَصْرِمْ خَلِيلَه ... وَيعْبَدْ عليه لا محالَة ظَالِما (¬5)
¬__________
(¬1) انظر: "معاني القرآن" للزجاج 4/ 420.
(¬2) انظر: "مشكل القرآن وغريبه" لابن قتيبة 2/ 124.
(¬3) انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري (عبد) 2/ 231.
(¬4) ذكر ذلك البغوي 7/ 223 ولم يشبه، وانظر: "تفسير الماوردي" 5/ 241، "الجامع لأحكام القرآن" 16/ 120.
(¬5) لم أقف على قائل هذا البيت، والشاهد فيه قوله: ويعبد عليه: أي يغضب عليه. وقد استشهد ابن جرير في "تفسيره" 13/ 102 بالبيت نفسه. وكذلك استشهد به ابن عطية 14/ 278، وكذلك استشهد به السمين الحلبي في "الدر المصون" 6/ 108 ونسبه محققو "الدر" للمرقش الأصغر. انظر: "المفضليات" ص 502.

الصفحة 80