وقرئ (أَفَتُمَارُونَهُ) (¬1) قال عامة المفسرين وأهل التأويل (¬2) (أَفَتُمَارُونَهُ) أفتجادلونه و (أفتمارونه) أفتجحدونه, تقول العرب: مريت الرجل حقه إذا جحدته. قال الشاعر:
لئن هجرت أخا صِدقٍ ومَكْرُمَةٍ ... لقد مَرَيْتَ أخًا ما كان يَمْرِيكا (¬3)
قال المبرد: (أفتمرونه) أي أتدفعونه عما يرى، قال: و (على) في موضح عن (¬4)، و (أَفَتُمَارُونَهُ) أي: أتدفعونه وتمارونه، كأنه أغلب في هذا الموضع للإنكار عليه، أي: تجادلونه فيما رأى وعلم، وأما الجحود منهم فقد كان ذلك عامًا فيما يأتيهم به الرسول -صلى الله عليه وسلم- والجدال في هذا الموضع كأنه أغلب، والمعنيان يتقاربان؛ لأن مجادلتهم جحود فيجتمع فيه الجحود والمجادلة، وقد كانت من المشركين مجادلة النبي -صلى الله عليه وسلم- حين أسري به قالوا: صف لنا مسجد بيت المقدس (¬5)، وأخبِرنا عن عيرنا التي في
¬__________
(¬1) قرأ حمزة، والكسائي، وخلف، ويعقوب (أَفَتَمْرُونَهُ) مفتوحة التاء بغير ألف.
وقرأ الباقون: (أَفَتُمَارُونَهُ) بألف. انظر: "حجة القراءات" 685، و"النشر" 2/ 379، و"الإتحاف" 402.
(¬2) انظر: "معاني القرآن" للفراء 3/ 96، و"معاني القرآن" للزجاج 5/ 72، و"جامع البيان" 27/ 29، و"الوسيط" 4/ 197.
(¬3) ورد البيت غير منسوب في "الكشاف" 4/ 38، و"الجامع لأحكام القرآن" 17/ 93، و"البحر المحيط" 8/ 159، و"تخريجات الكشاف" 4/ 87.
ومعناه: لئن ذممت أخا صدق ومكرمة، فقد غلبته في الجدال وأنفدت ما عنده أو جحدت حقه كأنك أخذت منه أو تسببت في إخراجه ما عنده فيذمك كما ذمته.
(¬4) انظر: "تهذيب اللغة" 15/ 283 (مرى).
(¬5) بيت المقدس. يطلق على الأرض المباركة وعلى الطور الذي كلم الله موسى عليه. والمراد به عند الإطلاق المسجد الأقصى.
انظر: "معجم البلدان" 5/ 193.