كتاب التفسير البسيط (اسم الجزء: 22)

وهذا كما تقول لمن يسيء أو يحسن: أنا أعرف لأهل الإحسان وأعرف لأهل الإساءة، أي: لا يخفى عليّ ذلك وأغضي عن بعض، وهذا كقوله: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ} [البقرة: 197] وقوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} [النساء: 63]، أي: يجازيهم، وهو أعلم (¬1) بما في قلوب الخلق أجمعين. ومثله قوله: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7]، أي: يرى جزاءه، وليس المعنى يرى ما عمل. وكان مما جازى حفصة تطليقه إياها؛ هذا كلام أبي علي (¬2). وهو كله قول الفراء والزجاج (¬3) واختيار أبي عبيد قراءة العامة لقوله: {وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ} يعني لم يعرفها إياه، ولو كان عرف مخففًا لكان ضده وأنكر بعضًا (¬4).
¬__________
(¬1) في (س): (يعلم).
(¬2) من قوله: (جازى عليه ...) إلى هنا كلامه، وفيه تصرف من الواحدي. وانظر: "الحجة للقراء السبعة" 6/ 301 - 302.
(¬3) انظر: "معاني القرآن" للفراء 3/ 166، و"معاني القرآن" للزجاج 5/ 192، و"زاد المسير" 8/ 308.
قلت: تطليق حفصة رضي الله عنها يرده ما في الصحيح، وفيه عن عمر قال: فقلت: أطلقت يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نساءك؟ فرفع رأسه إليّ وقال: لا. فقلت: الله أكبر. وفي رواية (أطلقتهن؟ فقال: لا. فقمت على باب المسجد فناديت بأعلى صوتي: لم يطلق نساءه) وفرحه -رضي الله عنه- لما علم بأنه لم يطلق حفصة، ولو كانت طلقت لحزن؛ إذ في إمساكها دليل على فضل آل الخطاب وخيريتهم، وفي "تفسير مقاتل" 160 أأنه لم يطلقها وأنها من نسائه في الجنة.
وانظر: "صحيح مسلم"، كتاب: الطلاق، باب: بيان أن تخيير المرأة لا يكون طلاقًا إلا بالنية 2/ 1103، و"تفسير القرآن العظيم" 4/ 389.
(¬4) انظر: "إعراب القرآن" للنحاس 3/ 462، ومما قال: وقراءة الكسائي: {عَرَّفَ بَعْضَهُ} وردها أبو عبيد ردًّا شنيعًا .. قال أبو جعفر: وهذا الرد لا يلزم، والقراءة معروفة عن جماعة منهم أبو عبد الرحمن السلمي.

الصفحة 15