كتاب التفسير البسيط (اسم الجزء: 24)

وقال ابن قتيبة: إن من مذاهب العرب التكرار: إرادة التوكيد والإفهام، كما أن من مذاهبهم الاختصار إرادة التخفيف والإيجاز، ولا موضع أولى بالتكرار للتوكيد من الذي نزلت فيه: (قل يا أيها الكافرون)، لأنهم أرادوه على أن يعبد ما يعبدون، ليعبدوا ما يعبد أبدؤوا في ذلك وأعادوا، فأراد الله حسم أطماعهم -قال- وفيه وجه آخر:
وهو أن القرآن كان ينزل شيئًا بعد شيء، وآية بعد آية، جوابًا لهم يسألون، وردًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فكأن المشركين قالوا (له) (¬1): [أسلم] (¬2) ببعض آلهتنا حتى نؤمن بإلهك، فأنزل الله: (لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد) لأني لا أفعل ما قلتم.
ثم غبروا (¬3) مدة فقالوا: تعبد آلهتنا يومًا، أو شهرًا، أو حولاً، ونعبد إلهك يومًا، أو شهرًا، أو حولاً، فأنزل: (ولا أنا عابد ما عبدتم * ولا أنتم عابدون ما أعبد) أي على شريطة أن تؤمنوا به [في] (¬4) وقت، وتشركوا به في وقت (¬5).
أي لا أعبد آلهتكم على ما تشارطون، ولا أنتم أيضًا عابدون إلا هي (¬6) على هذه الشريطة، لأني لا أفعل ما تشترطون؛ قال (¬7): (وهذا
¬__________
(¬1) ساقط من (أ).
(¬2) في (أ)، (ع): (استلم)، والمثبت من مصدر القول.
(¬3) غير الشيء غبورًا: مكث وذهب. "لسان العرب" 3/ 5 (غير).
(¬4) ساقطة من النسختين، وأثبت ما جاء في مصدر القول لاستقامة الكلام به وانتظامه.
(¬5) "تأويل مشكل القرآن" 237 - 238 بيسير من التصرف.
(¬6) في (ع): (الهي).
(¬7) أي ابن قتية.

الصفحة 394