كتاب البواكير
مقصورة عليهم دون غيرهم، بل هو رحمة للعالمين وهادٍ للناس أجمعين. بُعث وفي قلبه نور الله، ففاض على الحياة فكان منه نعيمها وسعادتها، وفاض على الصحابة فكان منه هذا الإيمان الذي ملأ قلوبهم. بهذا الإيمان جاهدوا، بهذا الإيمان انتصروا، بهذا الإيمان دكّوا صرح كسرى وعرش قيصر، وبه ملكوا ما بين قلب فرنسا وقلب الصين وعليه شادوا مدنيّة بغداد وحضارة الأندلس. وإن يوماً تُطوى فيه هذه البشرية طَيّ السجلّ للكتب ولا يبقى إلا نور الله، هنالك وقد خشعت الأصوات للحي القيوم، هنالك وقد عُرضوا على ربك صفاً، هنالك وقد ذهب كل شيء ولم يبقَ إلا سعادة الأبد أو شقاء الأبد ... هنالك يعرف الناس قيمة ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم؛ فيحمد المؤمن ربَّه ويشكر، ويندم الكافر ويقول: {يَا لَيْتَني كُنْتُ تُرَاباً}، وهنالك ينادي منادي الله: {لِمَنِ المُلْكُ اليَوْمَ؟ للهِ الوَاحِدِ القَهّار}.
هنالك الدليل الراجح والحجة البالغة على أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم لم يقتصر على سعادة الحياة الدنيا، ولو اقتصر لاقتصر مجدُ محمد على أنه رجل عظيم -كما يراه مَن قَصُرَ بصره وضرب الله على قلبه- بل تعداها، وهي شكل من أشكال الفناء، إلى أمر أبعد، إلى غاية أسمى هي سعادة الحياة الأخرى، حياة الخلود، فكان رسولَ الله ورحمةً للعالمين.
* * *
هذا اليوم عيد البشرية الأكبر، لأنه ليس في أبنائها مَنْ لم يَهْتَدِ بنور الإسلام ويستمدَّ مِن معانيه، ولو كان يدين بغير
الصفحة 23
328