كتاب البواكير
الإسلام. فمَن وافَقَنا منهم اليوم على عيدنا فقد أدّى الواجب، ومَن غفل عنه فقد غفل عن أدائه. وأمّا من ران التعصب على قلبه فجحد هذا الفضل الأعظم فهو الخائن الجاحد النعمة، المُنكِرُ الشّمسَ في الضحى وشعاعُها يملأ الأرض والسماء ويملأ عينيه، ولكنه يفتحهما له زاعماً أنه لا شعاع، فيُغشى على بصره فيصبح أعمى! وعمى الجهل أشد وأنكى، ولو كان الجاهل من أوربا.
أوربا؟ ومتى كانت لأوربا حضارة؟ الحضارة لاح فجرها في الشرق وبرزت شمسها تحت سمائه، فهي من الشرق وإلى الشرق، فإن غَرَّبت فإنما ذلك سحابة صيف عمّا قريب تقشع.
قامت الحضارة في أوربا للمرة الأولى بقيام اليونان والرومان، ولكنها فروع والأصل راسٍ في الشرق يُسقى من نيل وفرات. ثم قامت حضارة أوربا الثانية، ولكنها وإن طالت وأورقت فهي فرع، والأصل ثابت في الشرق، يغذيه الإسلام ويُسقى بتعاليمه وهدايته. وكيف؟ أوَلم ندخل الأندلس، والأندلس خير بلاد أوربا إذ ذاك، فلا نرى فيها إلا جهلاً وظلاماً؟ ألم نعامل أهلها، ونحن الظافرون المنتصرون، خير معاملة؟ ألم يكونوا في ظلال سلطاننا أحراراً في دينهم؟ ألم نثقّفهم ونعلمهم؟
فكيف عاملونا بعد أن دخلوها؟ أعطونا العهود والمواثيق على حفظ أرواحنا وتركنا وشأننا في عباداتنا، فكان قسمهم حنثاً، ووعدهم خُلفاً، وأمانتهم خيانة! عرضوا المسلمين على السيف والنار يقتلونهم ويحرقونهم أو يكفروا بما أنزل الله. كذلك فعلوا في الأمس بأفرادنا، وكذلك يفعلون اليوم بشعوبنا. هؤلاء
الصفحة 24
328