كتاب دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب - ط عطاءات العلم

"أل" العهدية. وقد قال تعالى في سورة التحريم: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم/ ٦]، فتنكير النار هنا يدل على أنها لم تكن معروفة عندهم بهذه الصفات.
ووجه الجمع: أنهم لم يكونوا يعلمون أن من صفاتها كون الناس والحجارة وقودًا لها، فنزلت آية التحريم، فعرفوا منها ذلك من صفات النار، ثم لما كانت معروفة عندهم نزلت آية البقرة، فعُرِّفَتْ فيها النار بِـ "أل" العهدية لأنها معهودة عندهم في آية التحريم.
ذكر هذا الجمع البيضاوي والخطيب (¬١) في تفسيريهما، وزعما أن آية التحريم نزلت بمكة.
وظاهر القرآن يدل على هذا الجمع؛ لأن تعريف النار هنا بِـ "أل" العهدية يدل على عهد سابق، والموصول وصِلَته دليل على العهد وعدم قصد الجنس، ولا ينافي ذلك أن سورة التحريم مدنية، وأن الظاهر نزولها بعد البقرة، كما رُوِيَ عن ابن عباس، لجواز كون الآية مكية في سورة مدنية كالعكس.
قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [البقرة/ ٢٩].
هذه الآية تدل على أن خلق الأرض قبل خلق السماء، بدليل لفظة "ثم" التي هي للترتيب والانفصال، وكذلك آية حم السجدة تدل -
---------------
(¬١) الشربيني في تفسيره "السراج المنير" (١/ ٣٦). وأصل الجمع عند الرازي في تفسيره (٢/ ١١٢).

الصفحة 16