كتاب دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب - ط عطاءات العلم

فيها: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} الآية.
وقد مكثت زمنًا طويلًا أفكر في حل هذا الإشكال، حتى هداني اللَّه إليه ذات يوم ففهمته من القرآن العظيم، وإيضاحه: أن هذا الإشكال مرفوع من وجهين، كل منهما تدل عليه آية من القرآن:
الأول: أن المراد بخلق ما في الأرض جميعًا قبل خلق السماء: الخلق اللغوي الذي هو التقدير، لا الخلق بالفعل الذي هو الإبراز من العدم إلى الوجود. والعرب تسمي التقدير خلقًا، ومنه قول زهير:
ولأنت تفرى ما خلقت وبعـ ... ـضُ القوم يخلقُ ثم لا يفري
والدليل على أن المراد بهذا الخلق التقدير: أنه تعالى نص على ذلك في سورة فصلت حيث قال: {وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا}، ثم قال: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} الآية [فصلت/ ١١].
الوجه الثاني: أنه لما خلق الأرض غير مدحوة، وهي أصل لكل ما فيها، كان كل ما فيها كأنه خلق بالفعل؛ لوجود أصله فعلًا.
والدليل من القرآن على أن وجود الأصل يمكن به إطلاق الخلق على الفرع وإن لم يكن موجودًا بالفعل قولُه تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ} الآية [الأعراف/ ٧]، فقوله: {خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} [الأعراف/ ١١] أي: بخلقنا وتصويرنا لأبيكم آدم الذي هو أصلكم.
وجمع بعض العلماء بأن معنى قوله: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ

الصفحة 18