كتاب دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب - ط عطاءات العلم

يدخل في حد نوع من أنواع البديع المعنوي، يسميه علماء البلاغة: التجريد.
فحد التجريد عندهم: هو أن يُنْتَزع من أمرٍ ذي صفةٍ آخرُ مثلُه فيها، مبالغةً في كمالها فيه.
وأقسامه معروفة عند البيانيين.
فمنه ما يكون التجريد فيه بحرف، نحو قولهم: لي من فلان صديقٌ حميم، أي: بلغ من الصداقة حدًّا صح معه أن يُستخلص منه آخرُ مثله فيها، مبالغة في كمالها فيه. وقولهم: "لئن سألته لتسألن به البحر" بالَغَ في اتصافه بالسماحة حتى انتزع منه بحرًا في السماحة.
ومن التجريد بواسطة الحروف قوله تعالى: {لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ} [فصلت/ ٢٨]، وهو أشبه شيء بالآية التي نحن بصددها؛ لأن النار هي دار الخلد بعينها، لكنه انتزع منها دارًا أخرى وجعلها مُعَدَّةً في جهنم للكفار؛ تهويلًا لأمرها، ومبالغة في اتصافها بالشدة.
ومن التجريد ما يكون من غير توسط الحرف، نحو قول قتادة بن سلمة الحنفي:
ولئن بقيت لأرحلن بغزوة ... تحوي الغنائم أو يموت كريم
يعني: نفسه؛ انتزعَ من نفسه كريمًا، مبالغة في كرمه.
فإذا عرفت هذا، فالنار سميت الهاوية لغاية عمقها، وبعد مهواها؛ فقد روي أن داخلها يهوي فيها سبعين خريفًا.

الصفحة 381