كتاب دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب - ط عطاءات العلم

وقد جاء في آية أخرى ما يدل على تعيين وجوب الصوم، وهي قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} الآية [البقرة/ ١٨٥].
والجواب عن هذا بأمرين:
أحدهما -وهو الحق-: أن قوله: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} منسوخ بقوله: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}.
الثاني: أن معنى {يُطِيقُونَهُ}: لا يطيقونه، بتقدير "لا" النافية، وعليه فتكون الآية محكمة، ويكون وجوب الإطعام على العاجز عن الصوم كالهَرِم والزَّمِن. واستدل لهذا القول بقراءة بعض الصحابة (يَطَّوَّقونه) بفتح الياء وتشديد الطاء والواو المفتوحتين، بمعنى: يتكلفونه مع عجزهم عنه. وعلى هذا القول فيجب على الهَرِم ونحوه الفدية، وهو اختيار البخاري، مستدلًا بفعل أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه-.
قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا} الآية [البقرة/ ١٩٠].
هذه الآية تدل بظاهرها على أنهم لم يؤمروا بقتال الكفار إلا إذا قاتلوهم.
وقد جاءت آيات أُخر تدل على وجوب قتال الكفار مطلقًا قاتلوا أم لا، كقوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة/ ١٩٣]، وقوله: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} [التوبة/ ٥]، وكقوله تعالى:

الصفحة 42