كتاب دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب - ط عطاءات العلم

ذكر هذا الوجه الخطيب (¬١) والآلوسي في تفسيريهما، وعزاه الآلوسي لبعض المحققين. واستدلَّا عليه بقوله تعالى: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران/ ٩٧]، على القول بأن معناه: ومن لم يحج. وبقوله -صلى اللَّه عليه وسلم- الثابت في "الصحيحين" -للمقداد حين سأله عن قتل من أسلم من الكفار بعد أن قطع يده في الحرب: "لا تقتله؛ فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول الكلمة التي قال".
وهذا الوجه من قبيل: كفرٌ دون كفر، وخلودٌ دون خلود، فالظاهر أن المراد به عند القائل به أن معنى الخلود: المكث الطويل. والعرب ربما تطلق اسم الخلود على المكث، ومنه قول لبيد:
فوقفت أسالها وكيف سؤالنا ... صمًّا خوالد ما يبين كلامها
إلا أن الصحيح في معنى الآية: الوجه الثاني والأول.
وعلى التغليظ في الزجر حمل بعض العلماء كلام ابن عباسٍ أن هذه الآية ناسخةٌ لكل ما سواها. والعلم عند اللَّه تعالى.
قال مقيده -عفا اللَّه عنه-: الذي يظهر أن القاتل عمدًا مؤمنٌ عاصٍ له توبة، كما عليه جمهور علماء الأمة، وهو صريح قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ} الآية [الفرقان/ ٧٠]، وادعاء تخصيصها بالكفار لا دليل عليه، ويدل على ذلك -أيضًا- قوله تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء/ ٤٨]، وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ
---------------
(¬١) الشربيني في "السراج المنير" (١/ ٣٢٤).

الصفحة 98