كتاب مسألة فيما إذا كان في العبد محبة لما هو خير وحق ومحمود في نفسه
إضافة الفعل إلى الأمر والنهي، فأصاب بعض الإصابة في كونه جعل ذلك من الملاءمة للطبع والمنافرة عنه، ومن باب كمال المتصف بذلك ونقصه، ولكن غلط في ظنه أن الحُسن والقُبح العقليين صادرَيْن عن ذلك، ولم يغلطا كل الغلط، فإن الحُسن والقبح: الذي يُدرك بالحس وبالعقل وبالشرع، وبالبصر والنظر والخبر، بالمشهور الظاهر وبالباطن، وبالمعقول القياسي وبالأمر الشرعي، هو في الأصل من جنس واحد، فإن كلاًّ يُعْلَم بذلك، يثبت به ما لا يُعلم بالآخر ويثبت به.
[طرق العلم الثلاثة] :
وهذه الطرق الثلاثة: السمع، والبصر، والعقل، هي طرق العلم:
[1- البصر] :
فالبصر - وهو المشهود الباطن والظاهر - يدرك ما في هذه الحركات والإرادات من الملاءمة والمنافرة، والمنفعة والمضرة العاجلة.
[2- السمع] :
والسمع - وهو وحي الله وتنزيله - يخبر بما يقصِّر الشهود عن إدراكه من منفعة ذلك ومضرته في الدار الآخرة.
فتمام الدين بالفطرة وتقديرها، لا بتحويلها وتغييرها، فإن كل مولود يولد على الفطرة، والله خلق عباده حُنفاء فاجتالتهم الشياطين وحرَّمت عليهم ما أحل الله لهم، وأمرتهم أن يشركوا به ما لم ينزِّل به سلطانًا. هكذا أخبرنا الله فيما روى عنه رسوله في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم.
فهم بفطرتهم يحبون الله وحده ويحبون تناول ما يحتاجون إليه من الطيِّبات، والمحبة تتبع الشهود والإحساس، فهذا الذي في فطرهم من الحس والحركة إلى عبادة خالقهم مما يعينهم عليها من طيبات الرزق، هو وجه الحُسن الثابت بالأفعال الحسنة: مأمُورِها ومبَاحِها، فإن ذلك كله حسن، لما فيه من هذه الملاءمة المناسبة والمحبة التي فطروا عليها، فما كان من ذلك مشهودًا في عالم الشهادة أدرك بالشهود والإحساس، وما كان غيبًا أدرك بالسمع الذي جاء به المرسلون.
الصفحة 447
639