كتاب مسألة فيما إذا كان في العبد محبة لما هو خير وحق ومحمود في نفسه
[3- العقل (القلب) ] :
والقلب يعقل هذا المشهود وهذا المسموع، فلا بد من أن يعقل ما أمر الله به وأخبر، كما لا بد أن يعقل ما شهدنا وحسسنا، فيعقل الشهادة والغيب، بمعنى ضبط العلم يجريان ذلك على وجه كليٍّ ثابت في النفس.
لكن زَعْم أولئك أن العقل يُدرك من حسن الفعل وقبحه ما فيه ملاءَمة باطل، كما أن زعم أولئك أن الشرع يأتي بحسن أو قبح لا ملاءمة فيه باطل، فأولئك إنما نفوا ذلك لأنهم أرادوا أن يثبتوا للرب من جنس ما عقلوه في البشر، وأنكروا الملاءمة في حقه والنافرة، وهؤلاء أرادوا أن يثبتوا شرعًا محضًا مبنيًّا على محض المشيئة ليس فيه ملاءمة ولا منافرة، وكلا الفريقين أنكر حقيقة محبة الله ورضاه للأفعال الحسنة، وبغضه للمسيئين بها، وهذا هو المعنى الذي يُعبِّرون عنه في حقنا: الملاءمة والمنافرة، وإنما أُتوا من جهة ما فيهم من نوع تجهم.
ولهذا أنكر أولئك - مع إنكارهم لهذه الصفات - أنكروا القدر، وهو عموم قدرته ومشيئته وخلقه، وأنكر هؤلاء ما في الشريعة من المناسبات والمحاسن التي انطوى عليها الأمر والنهي، وأنكروا أيضًا ما في خلقه ومشيئته من الحكمة والرحمة.
الصفحة 448
639