كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الفكر (اسم الجزء: 1)

{عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً:} مقتصدا دون البعيد فوق القريب (¬1).
{الشُّقَّةُ:} النّاحية، عن ابن عرفة، جمعه: شقق.
قال الفرّاء (¬2): {وَاللهُ يَعْلَمُ:} يعلمهم كاذبين، العلم واقع على ذواتهم (¬3) وأخبارهم جملة، يدلّ عليه كسرة الهمزة من قوله: {إِنَّهُمْ} ودخول اللام في الخبر، ولو كان العلم واقعا على مجرّد فعلهم لكانت مفتوحة ولما دخلت اللام في الخبر. روي أنّ الحجّاج بن يوسف أخطأ في العاديات فقرأ: أنّ ربّهم، بفتح الهمزة، فلمّا علم أنّه أخطأ استدرك بإسقاط اللام فقال: يومئذ خبير (¬4).

43 - {عَفَا اللهُ عَنْكَ:} إنّما قدّم العفو لتلطيف العتاب كقولك: رحمك الله لم فعلت، وعافاك الله لم فعلت (¬5). كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أذن في التّخلّف للمعتذرين إليه على الفور من غير تثبّت وتمييز بين الصّادقين والكاذبين معتبرا بالظّاهر من أحوالهم، وكان ذلك له جائزا لقوله: {فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ} [النّور:62] إلاّ أنّه سلك سبيل الرّخصة وترك الاحتياط فأنكر الله ذلك عليه وبيّن له أنّه لو فعل غير ذلك لكان أحسن وأحوط (¬6).

44 - الاستئذان (143 و) المنفيّ عن المؤمنين استئذانهم لئلاّ يجاهدوا وكراهة أن يجاهدوا (¬7). والاستئذان المختصّ بالمؤمنين في سورة النّور (¬8) توقّفهم للإذن وتركهم الانسلال والانتشار للحوائج من غير إذن الرّسول صلّى الله عليه وسلّم (¬9).

45 - وفي قوله: {إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ} دليل على أنّ الإيمان لا يصحّ من غير معرفة الله سبحانه؛ لأنّ للرّيب مدخلا وللشّبهة موضعا في الإيمان ما لم يتّصل (¬10) بمعرفة الله تعالى.

46 - وإنّما كره انبعاثهم لأنّ انبعاثهم لو وحد لكان معصية ولم يكن طاعة لقوله (¬11):
{لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلاّ خَبالاً،} فهذه الكراهة ككراهة الصّلاة بغير طهارة، كره
¬_________
(¬1) في ك: البعيد. وينظر: الكشاف 2/ 273، ومجمع البيان 5/ 60.
(¬2) لم أقف عليه في معاني القرآن.
(¬3) في ب: ذاتهم.
(¬4) ينظر: تفسير القرطبي 20/ 163، وقرأ بها أبو السّمّال، ينظر: المجيد 441 (تحقيق: د. ناهدة الكبيسي)، والبحر المحيط 8/ 502.
(¬5) ينظر: تفسير البغوي 2/ 297، وفتح القدير 2/ 365.
(¬6) ينظر: تفسير الطبري 10/ 183 - 184، والبغوي 2/ 297.
(¬7) ينظر: التبيان في تفسير القرآن 5/ 227 - 228، وفتح القدير 2/ 365 - 366.
(¬8) الآية 62.
(¬9) ينظر: تفسير البغوي 3/ 359، وفتح القدير 4/ 59 - 60، وعون المعبود 7/ 325.
(¬10) (دليل على. . . يتصل) ساقطة من ك.
(¬11) في الآية التي بعدها. وينظر: التبيان في تفسير القرآن 5/ 229، ومجمع البيان 5/ 63.

الصفحة 772