كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الفكر (اسم الجزء: 1)

أفزعكم بكائي؟ فقال: نعم يا رسول الله، فقال: إنّ القبر الذي رأيتموني أناجيه قبر آمنة بنت وهب وإنّي استأذنت ربّي في الاستغفار لها فلم يأذن لي، وأنزل عليّ: {ما كانَ لِلنَّبِيِّ [وَالَّذِينَ آمَنُوا (¬1)}] أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ، الآية، فأخذني ما يأخذ الولد للوالدين من الرّقّة (¬2). قال الأمير: ويمكن الجمع بين الرّوايتين: كان يستغفر لأبي طالب سنين حتى زار قبر أمّه (¬3) يومئذ فأنزل الله الآية فانتهى عن استغفارهما.
قال ابن عبّاس: كانوا يستغفرون لهم حتى نزلت الآية فلمّا نزلت أمسكوا عن الاستغفار للأموات ولم ينههم عن الاستغفار للأحياء حتى يموتوا ثمّ أنزل (¬4): {وَما كانَ اِسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ،} الآية، استغفر له ما كان حيّا فلمّا مات أمسك عن الاستغفار له (¬5).

114 - (الأوّاه): كثير التّأوّه خوفا من الله عزّ وجلّ، عن الأزهريّ (¬6). وقال أبو عبيدة (¬7):
الأوّاه: المتأوّه شفقا وفرقا ويقينا ولزوما للطّاعة. ويحتمل أنّه كان يتأوّه على هلاك قومه وكفرهم بالله ويتحلّم عنهم ولا يخاشنهم ولا يزيد على التّأوّه؛ لأنّه لم يكن مأمورا بالقتال.

115 - {لِيُضِلَّ:} الإضلال ههنا لومه وتخطئته وتضليله ومؤاخذته إيّاهم بما لا علم لهم به. ثمّ اختلفوا فقيل: نزلت الآية في مؤاخذة الله إيّاهم للعمل بالأحكام المنسوخة قبل العلم بالنّسخ كالصّلاة إلى بيت المقدس وشرب الخمر (¬8)، وقيل: نزلت في مؤاخذة الله إيّاهم (¬9) بالاستغفار للمشركين قبل بيانه (¬10) أنّه لا يجوز.
وإنّما وصف بالعلم؛ لأنّ (¬11) هذا الحكم المذكور من قضية علمه وحكمته.

116 - وإنّما وصف نفسه بأنّ {لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} ليبيّن جواز تصرّفاته (150 ظ) في مملكته من النّسخ والإضلال والمغفرة والعذاب وغير ذلك (¬12).
¬_________
(¬1) مكانها في ك وبعدها في ع: معه، وهي مقحمة.
(¬2) ينظر: تاريخ المدينة المنورة 1/ 118 - 119، والمستدرك 2/ 337، وأسباب نزول الآيات 178.
(¬3) في ك: قبره، بدل (قبر أمه).
(¬4) الآية التي بعدها.
(¬5) ينظر: تفسير الطبري 11/ 59.
(¬6) ينظر: لسان العرب 13/ 472 (أوه).
(¬7) ينظر: مجاز القرآن 1/ 247.
(¬8) ينظر: معاني القرآن للفراء 1/ 453، ومعاني القرآن الكريم 3/ 263، وتفسير البغوي 2/ 333.
(¬9) (بالأحكام المنسوخة. . . إياهم) ليس في ب.
(¬10) ساقطة من ك. وينظر: تفسير مجاهد 1/ 288، والطبري 11/ 73، والبغوي 2/ 332.
(¬11) النسخ الثلاث: لا.
(¬12) ينظر: فتح القدير 2/ 412 - 413.

الصفحة 801