كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الفكر (اسم الجزء: 2)
29 - {الَّذِينَ آمَنُوا:} بدل من المبتدأ الأوّل (¬1)، والخبر قوله: {طُوبى لَهُمْ،} ويحتمل:
أن يكون الأوّل في محلّ النصب؛ لوقوع الهداية عليه بدلا عن قوله: {مَنْ أَنابَ} [الرعد:27]، واطمئنان القلب بذكر الله أن يسأم ذكر غيره.
{طُوبى:} اسم على وزن فعلى، وهو اسم جامع لكل ما يستطاب، فكأنّها الحياة (¬2) الطيبة بروح الاتحاد. وقيل: هي شجرة الخلد أصلها في دار نبيّنا عليه السّلام، ولا دار في الجنّة إلا وفيها غصن منها، فهي تثمر ما يشاؤون فيها.
30 - {كَذلِكَ:} إشارة إلى قوله: {أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ} [الرعد:17]، أو إلى قوله: {قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ} [الرعد:27]، ويحتمل: إلى ما بعده من البيان والكيفيّة، أي: كما تقول وتبيّن.
{يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ:} بالله تعالى. وقيل: هو إنكارهم تسمّيه، وإلحادهم إلى كذّاب اليمامة. (¬3)
31 - {وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً:} جواب متقدم، والفعل المشروط مضمر، اكتفاء بدلالة الاسم عليه، تقديره: وهم يكفرون بالرحمن، ولو أنّ قرآنا موصوفا بهذه الصفات (¬4) أنزل عليهم.
فالقرآن دالّ على الإنزال، مجازه: أنّهم يكفرون بالرحمن (¬5)، ويصرّون على كفرهم، وإن أنزل إليهم قرآن موصوف بهذه الصفات. وكذلك قوله: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ} [يونس:96 - 97]. وقيل: جواب لو محذوف، (¬6) تقديره: ولو أنّ قرآنا موصوفا بهذه الصفات قرئ عليهم، آمنوا على سبيل الإلجاء، ولم يك ينفعهم إيمانهم. ويحتمل: أنّ الكفار قالوا قبل النزول (¬7) على سبيل الاقتراح: ولو أنّ قرآنا كذا
¬_________
(¬1) ساقطة من ك.
(¬2) أ: الحيرة.
(¬3) جاء في زاد المسير 4/ 252، وتفسير البغوي 3/ 451، التفسير الكبير 7/ 41، وغيرها: أنهم لما أرادوا كتاب صلح الحديبية كتب عليّ رضي الله عنه: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال سهيل بن عمرو: ما نعرف الرحمن إلا مسيلمة. وعزوه إلى قتادة وابن جريج ومقاتل. وهذا لمن قال: إن الآية مدنية، أما من قال: إن الآية مكية، فجعل سبب نزولها هو: أن أبا جهل سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو في الحجر يدعو يا الله، ويدعو يا رحمن، فرجع إلى المشركين وقال: إن محمدا يدعو إلهين: يدعو الله ويدعو الرحمن إلها آخر يسمى الرحمن ولا نعرف إلا رحمن اليمامة.
(¬4) ساقطة من أ.
(¬5) ع: محذوفة.
(¬6) ينظر: معاني القرآن للفراء 2/ 63، وإعراب القرآن للنحاس 2/ 172، وكشف المشكلات وإيضاح المعضلات 1/ 558.
(¬7) ك: الزوال.