كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الفكر (اسم الجزء: 2)
3 - وفي قوله: {ثُمَّ (¬1)} يَعُودُونَ لِما قالُوا أربعة أقوال: أحدها: اللاّم بمعنى من، أي: ممّا قالوا كقوله: {اِقْتَرَبَ لِلنّاسِ حِسابُهُمْ} [الأنبياء:1]. والثّاني: ثمّ يعودون إلى إبطال أو رفع أو استدراك ما قالوا. (¬2) والثّالث: المراد بالعود النّدامة، واللاّم بمعنى على، أي: يندمون على ما قالوا. والرابع: على التّقديم والتّأخير، تقديره: والذين يظاهرون من نسائهم ثمّ يعودون فتحرير رقبة لما قالوا (¬3) {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا.} (¬4)
وقد أخطأ من فسّر العود بتكرار لفظة الظّهار؛ لأنّه لم يرد فيه توقيف، ولا هو من قضيّة اللّغة، (¬5) ولفظ (ثمّ) يدلّ على تأخّر العود عن الظّهار بزمان، فإن مسّها قبل الكفّارة فعليه الكفّارة (¬6)؛ لما روي: أنّ سلمة بن صخر جاء إلى النّبيّ عليه السّلام فقال: تظاهرت من امرأتي فرأيتها في ليلة قمرا فأعجبتها، فواقعتها، فقال عليه السّلام: «استغفر الله، ولا تعد حتى تكفّر» (¬7)، وإن مسّها في أثناء الكفّارة فعليه الاستقبال؛ لأنّ إيجاب جميع الصّوم قبل المسيس أمر بإخلاء الشّهرين عن المسيس، وهو قادر على ذلك، والذي لا يستطيع شيئا من الكفّارات الثلاث، فلسنا نرى له أن يقرب امرأته بوجه من الوجوه.
7 - {ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاّ هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاّ هُوَ سادِسُهُمْ}
(305 ظ) من مجاز الكلام، وحقيقته استحالة اجتماعهم من غير أن يجمع، وتناجيهم من غير أن يسمع، فهو واحد قبلهم، وواحد معهم، وواحد بعدهم، تعالى عن كلّ اتّصال وانفصال وانعقاد وانحلال.
8 - {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى:} كان المنافقون يرجفون في المدينة على
¬_________
(¬1) أ: قولهم.
(¬2) ينظر: تفسير البيضاوي 5/ 192، وتفسير أبي السعود 8/ 216.
(¬3) ك تقديم وتأخير: لما قالوا فتحرير رقبة.
(¬4) ينظر: إعراب القرآن للنحاس 4/ 373 عن الأخفش، وتفسير السمرقندي 3/ 392، المحرر الوجيز 14/ 338.
(¬5) ينظر: الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي 333، وتفسير القرطبي 17/ 280 - 281.
(¬6) بداية المبتدي 81، وبداية المجتهد 2/ 86.
(¬7) أخرجه أبو داود في السنن (2221)، والترمذي (1199)، والبيهقي في الكبرى 7/ 386، وقال الترمذي: حديث حسن غريب صحيح. وقال ابن حجر رحمه الله في الدراية في تخريج أحاديث الهداية 2/ 75: «لم أجد في شيء من طرقه ذكر الاستغفار».
(¬8) إيجاز البيان عن معاني القرآن 2/ 807، ووضح مشكلات القرأن 2/ 391، وتفسير القرطبي 17/ 288.
(¬9) معاني القرآن للفراء 3/ 139، ووضح البرهان في مشكلات القرآن 2/ 391، وتفسير القرطبي 17/ 288.