كتاب درج الدرر في تفسير الآي والسور ط الفكر (اسم الجزء: 2)
وقد يذكر الرأي الذي يذهب إليه، والرأي المناقض له، وينتصر للرأي الذي يتبناه، فمثلا عند تفسيره قول الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاِرْكَعُوا مَعَ الرّاكِعِينَ} (43) [البقرة:43]، يقول: «وفي الآية دليل أنّ الكفّار مخاطبون بالشرائع بشرط تقديم الإيمان، وإليه ذهب كثير من أصحابنا، فإن قيل: لو كانوا مخاطبين لما سقط القضاء عنهم كالمسلمين، قلنا:
القضاء فرض مبتدأ لا يتبع المقضيّ كفوت الجمعة وفوت صلاة الحائض لا إلى قضاء» (¬1).
3 - يذكر رأي مذهبه فقط من غير أن يذكر رأيا مخالفا لهذا الرأي:
فمثلا عند حديثه عن صيد البر في قوله تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ} [المائدة:96]، يقول: «كلّ ما كان جنسه متوحّشا مأكول اللّحم أو غيره، قال صلّى الله عليه وسلّم: «خمس يقتلن في الحلّ والحرم: الغراب والحدأة والفأرة والحيّة والكلب العقور»، حصره بعدد، ويلحق غيرها بها حالة وجود العدوان، ثمّ جزاء السبع قيمة لحمه عندنا لا قيمة إمساكه للتّفاخر كما في الجارية المغنية». (¬2) وفي هذا المثال ذكر فقط المذهب الذي تبناه فقال: عندنا، ولم يذكر رأي مذهب آخر مخالف.
4 - ونجده أحيانا قليلة يتحدث عن بعض الأمور المتعلقة بأصول الفقه، ويشير إليه إشارة، فيعرّف فرض الكفاية في معرض حديثه عن الأمر بأنه فرض كفاية، فيقول: «إذا قام به البعض، وحصل المعروف، وزال المنكر سقط الفرض عن الباقين» (¬3) وذلك في معرض تفسيره لقول الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (104) [آل عمران:104].
وعند تفسيره قول الله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ} [المائدة:101]، بين أن الأمر المطلق لا يقتضي التكرار إلا بقرينة، معللا ذلك بإنكار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سؤال الأعرابي له: أفي كل عام يا رسول الله؟ بقوله: «لو قلت: نعم لوجبت، ولو وجبت لكفرتم». (¬4)
وعند حديثه عن قول الله تعالى: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء:115]، يبيّن أن إجماع هذه الأمة حجة، ويستدل على ذلك بقول الله تعالى: {لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ} [البقرة:143]، وقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم «لا تجتمع أمتي على الضلالة» (¬5)، وكذلك يستدل على حجية الإجماع في تفسيره قول الله تعالى: {وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} (181)
¬_________
(¬1) الأصل (11 و).
(¬2) الأصل (99 و).
(¬3) الأصل (71 و).
(¬4) الأصل (99 ظ).
(¬5) الأصل (87 ظ).