كتاب ديوان لبيد بن ربيعة العامري

صارخة، وانظر جفنتي اللتين كنت أصنعهما، فاصنعهما ثمّ احملهما إلى المسجد، فإذا سلم الإمام فقدمهما إليه، فإذا طعموا فقل لهم فليحضروا جنازة أخيهم؛ وأنشد: (وإذا دفنت أباك ... البيت) وهذه الأبيات قصيدة طويلة من جيد الشعر، ويقول بعض الرواة: إن لبيداً قالها في الليلة التي توفيّ فيها، ولكنّه يقول فيها: (واعفف عن الارات وامنحهن ميسرك السمينا) وهذه صورة جاهليّة إن لم نعدّها مجازاً من القول:
أُنْبئْتُ أنَّ أبَا حَنِيـ ... ـفٍ لامَنِي في اللَّائِمينا
أبُنَيَّ هلْ أحْسَسْتَ أعْـ ... ـمامِي بَني أُمِّ البَنِينا
وأبي الذي كانَ الأرا ... ملُ في الشِّتاءِ لهُ قَطِينَا (¬1)
[وَأبُو شُرَيحٍ والمُحَا ... مي] في المَضِيقِ إذا لَقِينَا (¬2)
الفتيَةُ البِيضُ المصَا ... لتُ أشبَعُوا حَزماً ولِينا (¬3)
مَا إنْ رأيتُ ولا سَمعْـ ... ـتُ بِمِثْلِهِمْ في العالمينا
لم تَبْقَ أنْفُسُهُمْ وكا ... نُوا زِينَةً للنّاظرِينَا
فلئنْ بعثتُ لهمْ بُغَا ... ةً ما البُغَاة ُ بِوَاجِدِينَا (¬4)
فَمَكَثْتُ، بَعْدَهُمُ وَكُنْـ ... تُ بِطُولِ صُحْبَتِهِمْ ضَنينَا (¬5)
ذَرْني وَمَا مَلَكَتْ يَمِيـ ... ـني إنْ رَفَعْتُ بِهِ شؤونا (¬6)
وافْعَلْ بمالِكَ ما بَدا ... لَكَ، إنْ مُعَاناً أو مُعِينَا
¬__________
(¬1) الأرامل: المحتاجون. القطين: القوم القاطنون الماكثون في الديار.
(¬2) ما بين قوسين يروى بلفظ: [وأبو شريك والمنازل].
(¬3) المصالت: جمع: مصلت، وهو الرجل الذي يمضي في أمره.
(¬4) بغاة: أي يطلبون البحث عنهم.
(¬5) ضنين: مختص بطول صحبتهم لا يود الفقد.
(¬6) رفع شؤونا: أي أزال به أموراً وقضى حقوقاً. الشزون: شدّة العيش.

الصفحة 137