كتاب ديوان لبيد بن ربيعة العامري

كأنّهَا بَعْدَما أفْنَيْتُ جُبْلتها ... خَنْساءُ مَسْبُوعَة ٌ قَد فاتَها بَقَرُ (¬1)
تَنْجُو نَجَاءَ ظَلِيمِ الجَوِّ أفْزَعَهُ ... ريحُ الشَّمَالِ وشَفّانٌ لها دِرَرُ (¬2)
باتَت إلى دَفِّ أرْطاةٍ تحفِّرهُ ... في نَفْسِها مِنْ حَبيبٍ فاقِدٍ ذِكَرُ (¬3)
إذا اطمَأنَّتْ قَليلاً بَعدَما حَفَرَتْ ... لا تَطْمَئِنُّ إلى أرطاتِها الحُفَرُ
تَبْني بُيُوتاً على قَفْرٍ يُهَدِّمُها ... جَعْدُ الثّرَى [مُصْعَبٌ] في دَفّه زَوَرُ (¬4)
لَيْلَتَها كُلَّها حتى إذا حَسَرَتْ ... عَنها النّجومُ، وكادَ الصُّبحُ يَنسَفِرُ
غَدَتْ على عَجَلٍ، والنّفسُ خائفَة ٌ ... وآيَة ٌ مِنْ غُدُوٍّ الخائِفِ البُكَرُ
لاقَتْ أخَا [قَنَصٍ] يَسْعَى بأكْلُبِهِ ... شَئْنَ البَنانِ لدَيْهِ أكلُبٌ جُسُرُ (¬5)
وَلَّتْ فَأدْرَكَها أُولَى سَوَابِقِها ... فأقْبَلَتْ ما بِها رَوْعٌ وَلا بَهَرُ (¬6)
فقاتَلَتْ في ظِلالِ الرَّوْعِ واعتكَرَتْ ... إنَّ المُحاميَ بَعدَ الرَّوْعِ يَعْتَكِرُ

قد يقبلُ الضَيمَ الذليلُ المَسيَّرُ [الطويل]
أنشد ذات مرة يعنف بعض قبائل بني عامر ويعيرهم بعدم الحفاظ وقبول الدية:
وَلمْ تَحْمَ عَبدُ اللّهِ، لا درَّ دَرُّها، ... على خيرِ قَتْلاها، ولم تَحْمَ جَعفرُ
¬__________
(¬1) الخنساء: البقرة الوحشية ذات الأنف القصير. مسبوعة: التي أكب السبع ولدها.
(¬2) الجو: ما اطمأنّ من الأرض. الشفّان: الريح الباردة. الدرر: جمع: درة، وهي الدفقة من المطر.
(¬3) الدف: الجانب. الأرطأة: الواحدة من الألاطى، وهي نبتة شجيرية من الفصيلة البطاطية تنبت في الرمل. ويخرج من أصل واحد كالعِصِي، ورقه دقيق وثمره كالعُنّاب.
(¬4) مصعب: أي صعب شديد. زور: أي ميل وما بين قوسين يروى بلفظ: [مائل]
(¬5) شئن: ذو الأصابع الغليظة. وما بين قوسين يروى بلفظ: [جشر]
(¬6) الروع: الهلع والفزع. البهر: انقطاع النفس بسبب العدو الكثير.

الصفحة 40