كتاب الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق (اسم الجزء: 1)

والواجب على الخلق اعتقاد التنزيه وامتناع تجويز النقلة، وأن النزول الذى هو انتقال من مكان الى مكان يحتاج الى ثلاثة أجسام: جسم عال هو مكان لساكنه، وجسم سافل، وجسم منتقل من علو الى سفل. وهذا لا يجوز على الله عز وجل (قال) ابن حامد: هو على العرش بذاته مماس له وينزل وينزل من مكانه الذى هو فيه وينتقل. وهذا رجل لا يعرف ما يجوز على الله (وقال) أبو يعلى: النزول صفة ذاتية ولا نقول نزوله انتقال، وهذا مغالط (ومنهم) من قال يتحرك اذا نزل. وما يدرى أن الحركة لا تجوز على الله تعالى. وقد حكوا عن الامام أحمد ذلك. وهو كذب عليه. ولو كان النزول صفة ذاتية لذاته لكانت صفته كل ليلة تتجدد. وصفاته قديمة كذاته أهـ.
(وقال) العلامة ابن أبى جمرة فى كتابه " بهجة النفوس " ص 39 ردا على المجسمة (وأما) ما زعموا من الجسمية وتعلقوا فى ذلك بظاهر قوله عليه الصلاة والسلام " ينزل ربنا كل ليلة الى سماء الدنيا " الى غير ذلك من الأحاديث التى جاءت فى هذا المعنى (فليس) لهم فى ذلك حجة أيضا، لأن ذلك فى اللغة محتمل لأوجه عديدة كقولهم: جاء زيد، يريدون ذاته ويريدون غلامه ويريدون كتابه ويريدون خبره. والنزول مثله كقولهم: نزل الملك، يريدون ذاته ويريدون أمره ويريدون كتابه ويريدون نائبه. فاذا ارادوا أن يخصصوا الذات قالوا: نفسه، فيؤكدونه بذلك أو بالمصدر. وحينئذ ترتفع تلك الاحتمالات ولذلك قال عز وجل فى كتابه (وكلم الله موسى تكليما) فأكده بالمصدر رفعا للمجاز (فلو قال) الشارع عليه الصلاة والسلام هنا: ينزل ربنا نفسه أو ذاته أو أكده بالمصدر (لكان) الأمر ما ذهبوا اليه. ولكن لما أن ترك اللفظ على عمومه ولم يؤكده، دل على أنه لم يرد الذات، وانما أراد نزول رحمة ومن فضل وطول على عباده وشبه هذا معروف عند الناس، لأنهم يقولون: تنازل الملك لفلان، وهم يريدون

الصفحة 45