كتاب الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق (اسم الجزء: 1)

وأيضا فان الاستنان فيه ليس المراد به الاختراع. وإنما المراد به العمل بما ثبت بالكتاب والسنة النبوية. وذلك لأن سبب الحديث هو الحث على الصدقة المشروعة. فقد قال جرير بن عبد الله: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في صدر النهار فجاءه قوم حفاة عراة مجتابى النمار متقلدى السيوف عامتهم بل كلهم من مضر فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما رأى بهم من الفاقة فدخل ثم خرج فأمر بلالا فأذن وأقام فصلى ثم خطب فقال: (يأيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة) الآية، والآية التى في الحشر: (اتقوا الله ولتنظر نفس ما تقدمت لغد) تصدق رجل من درهمه من ثوبه من صاع بره من صاع تمره، حتى قال ولو بشق تمرة. فجاءه رجل من الأنصار بصرة كادت كفة تعجز عنها بل عجزت. ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتهلل كأنه مذهبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم: من سن في الإسلام (الحديث) أخرجه أحمد ومسلم والنسائى (¬1) {5}. (قال) الشاطبى: فتأملوا أين قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: من سن سنة حسنة؟ تجدوا ذلك فيمن عمل بمقتضى المذكور على أبلغ ما يقدر عليه حتى أتى بتلك الصرة فانفتح بسببه باب الصدقة على الوجه الأبلغ، فسر بذلك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى قال " من سن في الإسلام " الحديث.
فدل
¬_________
(¬1) ص 358 ج 4 مسند أحمد، وص 102 ج 7 نووى مسلم (الحث على الصدقة) وص 250 ج 2 تيسير الوصول. و (مجتابى) أى لابيى (النمار) جمع نمرة بفتح فكسر وهى كساء من صوف مخطط. و (كومين 9 بفتح الكاف وضمها: أى صبرتين من طعام. و (مذهبه) كمرسلة: أى مستنيرة صافية.
أخرجه ابن السني والطبراني في الأوسط ورواته رواة الصحيح. والحاكم والنسائي وصحح وقفه (¬1) [206].
(وهذا) الدعاء هو الوارد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم "أما ما اعتاده" بعض الناس وذكره بعض الفقهاء من الدعاء عند كل عضو كقولهم عند غسل الوجه: اللهم بيض وجهي يوم تبيض وجوه وتسودُّ وجوه. وعند غسل اليد اليمني: اللهم أعطني كتابي بيميني ولا تعطني كتابي بشمالي. وعند غسل اليد اليسرى: اللهم يسر ولا تعسر "فلم يثبت" فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
(قال) النووي في الروضة: هذا الدعاء لا أصل له ولم يذكره الشافعي ولا الجمهور. وقال ابن الصلاح: لم يصح فيه حديث (¬2).
وقد روى فيه عن علي كرم الله وجهه من طرق ضعيفة جدا أوردها علاء الدين على المتقي في كنز العمال وبين ضعفها (¬3).
(والحكمة) في ختم الوضوء والصلاة وغيرهما بالاستغفار، أن العباد مقصرون عن القيام بحقوق الله وأدائها على الوجه اللائق بجلاله وعظمته. وإنما يؤدونها
¬_________
(¬1) انظر ص 414 راموز الأحاديث. وص 105 ج 1 - الترغيب والترهيب (الترغيب في كلمات يقولها بعد الوضوء) و (الرق) بالفتح جلد رقيق يكتب عليه.
(¬2) انظر ص 59 ج 1 تحفة الأحوذي الشرح.
(¬3) هي (أ) حديث رقم 2263 ص 112 ج 5 كنز العمال ذكر فيه عن علي هذه الاذكار وقال: فيه خارجة بن مصعب تركه الجمهور وكذبه ابن معين. وقال ابن حبان: كان يدلس عن الكذابين (ب) وحديث 2364 ص 113 وقال: في سنده غير واحد يحتاج إلى معرفته. وفيه أحمد بن مصعب قال في اللسان: متهم بوضع الحديث (جـ) وحديث رقم 2365 ص 112 وقال: وفيه أصرم بن حوشب كان يضع الحديث.

الصفحة 6