كتاب الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق (اسم الجزء: 2)

وقف هذا بقلب مُخْبِت خاشع له قريب منه سليم من معارضات السوء قد امتلآت أرجاؤه بالهيبة وسطع فيه نور الإيمان وكُشِف عنه حجاب النفس ودخان الشهوات، فيرتع فى رياض معانى القرآن، ويُخالط قلبَه بشاشة الإيمان بحقائق الأسماء والصفات وعلوها وجمالها وكمالها الأعظم وتفردُّ الرب سبحانه بنعوت جلاله وصفات كماله، فاجتمع همه على الله وقَرَّت عينه به وأحسّ بقربه من الله قرباً لا نظير له، ففرّغ قلبه له وأقبل عليه بكليته.
هذا " ومن " تفقه فى معانى القرآن وعجائب الأسماء والصفات وخالط بشاشة الإيمان به قلبه " يرى " لكل اسم وصفة موضعاً من صلاته ومحلا منها (فإنه) إذا انتصب قائماً بين يدى الرب تبارك وتعالى، شاهد بقلبه فيوميته (وإذا) قال الله أكبر شاهد كبرياءه (وإذا قال) سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدّك ولا إله غيرك، شاهد بقلبه رباًّ منزهاً عن كل عيب، سالماً من كل نقص، محموداً بكل حمد. فحُمدْه يتضمن وصفَه بكل كمال. وذلك يستلزم براءته من كل نقص، تبارك اسمه، فلا يُذكر على قليل إلا كثَرة، ولا على خير إلا أنماه وبارك فيه، ولا على آفة إلا أذهبها، ولا على شيطان إلا ردّة خاسئاً مدحورا. وكمال الاسم من كمال مسماه. فإذا كان هذا شأن اسمه الذى لا يضر معه شئ فى الأرض ولا فى السماء، فشأن المسمى أعلى وأجل (وتعالى جدّ) أى ارتفعت عظمته وجلت فوق كل عظمة، وعلا شأنه على كل شان، وقهر سلطانه كل سلطان. فتعالى جدّه أن يكون معه شريك فى ملكه وربوبيته أو فى إلهيته أو فى أفعاله أو فى صفاته كما قال مؤمنو الجن {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَخَّذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَداً} (وإذا) قال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فقد آوى إلى ركنه الشديد

الصفحة 367