كتاب الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق (اسم الجزء: 2)

واعتصم بحوله وقوّته من عدوّه الذى يريد أن يقطعه عن ربه ويباعده عن قربه ليكون أسوأ حالا (فإذا) قال الحمد لله رب العالمين وقف هنيهة يسيرة ينتظر جواب ربه له بقوله حمدنى عبدى (فإذا) قال الرحمن الرحيم، انتظر جوابه مجَّدَنى عبدى. فيالّذة قلبه وقُرَّة عينه وسرورَ نفسه بقول ربه: عبدى ثلاث مرات (فوالله) لولا ما على القلوب من دخان الشهوات وغيْم النفوس لطارت فرحاً وسروراً بقول ربها وفاطرها ومعبودها: حمدنى عبى وأثنى علىّ عبدى ومجدنى عبدى.
ثم يكون لقلبه مجال من شهود هذه الأسماء الثلاثة التى هى أصول الأسماء الحسنى وهى الله والرب والرحمن " فشاهد " قلبه من ذكر اسم الله تبارك وتعالى إلهاً معبوداً موجوداً مخوفا لا يستحق اعبادة غيره، ولا تنبغى إلا له، قد عنت له الوجوه وخضعت فه الموجودات، وخشعت له الأصوات: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ (¬1)} {وَلَهُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ (¬2)} وشاهَد من ذكر اسمه " رب العالمين " قيوما قام بنفسه وقام بسببه كل شئ فهو قائم على كل نفس بخيرها وشرها، قد تفرّد بتدبير ملكه (ثم يشهد) عند ذكر اسم الرحمن جل جلله ربًّا محسنا إلى خلقه بأنواع الإحسان، متحبباً إليهم بصنف النعم وَسِعَ كلَّ شئ رحمة ولما، وأوسع كل مخلوق نعمة وفضلا، فوسعت رمته كل شئ ووسعت نعمته كل حى، فبلغت رحمته حيث بلغ علمه، وخلق خلقه برحمته وأنزل كتبه برحمته، وأرسل رسله برحمته، وشرع شرائعه برحمته، وخلق الجنة برحمته،
¬_________
(¬1) سورة الإسراء: آية 44.
(¬2) سورة الروم: آية 26.

الصفحة 368