كتاب الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق (اسم الجزء: 3)

(ب) وأنه كان من هديه صلى الله عليه وسلم القنوتُ فى النوازل خاصة، وتركهُ عند عدمها، ولم يكن يخصه بالفجر، بل كان أكثر قنوته فيها لاتصالها بصلاة الليل وقربها من السحر وساعة الإجابة، ولأنها الصلاة المشهودة التى تشهدها ملائكة الليل والنهار، ولذا كان أهل الحديث يقنتون حيث قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتركونه حيث تركه.
ومع هذا لا ينكرون على من داوم عليه، ولا يكرهون فعله ولا يرونه بدعة ولا فاعله مخالفاً للسنة، كما لا ينكرون على من تركه عند النوازل ولا يرون تركه بدعة، بل من قنت فقد أحسن. ومن تركه فقد أحسن، وهذا من الاختلاف المباح الذى لا يَعنّف فيبه من فعله ولا من تركه كرفع اليدين فى الصلاة وتركه، وكالخلاف فى ألفاظ الأذان والإقامة وأنواع النسك من الإفراد والقرآن والتمتع، ولكن هديه صلى الله عليه وسلم أكمل الهدى وأفضله. (وعلى الجملة) فالذى يؤخذ من أحاديث الباب أنه كان صلى الله عليه وسلم لا يقنت فى غير الوتر إلا فى النوازل، فكان يقنت جهراً بعد الركوع ويؤمِّنُ مَنْ خلفه ويرفع يديه فيه كما تقدم أن أبا بكر فعله وكذا عمر وعلىّ ومعاوية. وتقدم حديث ابن عباس (¬1) وحديث أنس فى قصة القُرّاء (¬2).
(وقال) الأسود: كان عبد الله بن مسعود يرفع يديه فى القنوت إلى صدره. {23}
(وقال) أبو عثمان النهدى: كان عمر يَقْنُتُ بنا فى صلاة الغداة ويرفع حتى يخرج ضبعيه. أخرجهما ابن نصر (¬3). {24}
وبهذا قال الحنفيون وأحمد وإسحاق وهو الصحيح عند الشافعية.
ومما يتصل اتصالا وثيقاً بسنن الصلاة وواجباتها.
¬_________
(¬1) تقدم رقم 45 ص 26.
(¬2) تقدم رقم 46 ص 26.
(¬3) ص 154 قيام الليل (رفع الأيدى عند القنوت) و (ضبعيه) تثنية ضبع بفتح فسكون وهو المضد.

الصفحة 32