كتاب الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق (اسم الجزء: 8)

نعلم أنك تقول هذا، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا في سبعين، ثم ينور له فيه، ثم يقال له: نم، فيقول: أرجع إلى أهلي فأخبرهم، فيقولان: نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك. وإن كان منافقا قال: سمعت الناس يقولون قولا فقلت مثله لا أدري، فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول ذلك، فيقال للأرض التئمى عليه، فتلتئم عليه فتختلف أضلاعه، فلا يزال فيها معذبا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك" أخرجه الترمذي وقال: حسن غريب (¬1). {17}
والأحاديث في هذا كثيرة صحيحة صريحة في أن سؤال القبر حق ثابت، وبه قال أهل السنة والجماعة، وأنكره ضرار بن عمرو وبشر المريسي وأكثر المتأخرين من المعتزلة مستدلين:
(أ) بقوله تعالى: {لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا المَوْتَ إِلاَّ المَوْتَةَ الأُولَى} (¬2). أي لا يذوقون في الجنة موتا سوى الموتة الأولى، ولو صاروا أحياء في القبور لذاقوا الموت مرتين لا مرة.
(ب) وبقوله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلاَ الأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي القُبُورِ} (¬3).
¬_________
(¬1) أنظر ص 162 ج 2 تحفة الأحوذي (ما جاء في عذاب القبر) و (قبر) أي دفن وهو أمر غالبي وإلا فالسؤال يكون لكل ميت حتى من أكلته السباع فإن الله تعالى يصل روحه بعجب الذنب فيحيا بحياته سائر أجزاء البلدان ليسأل فيثاب أو يعذب. ولا بعد في ذلك فإن الله على كل شيء قدير. و (أسودان) وفي حديث أبي هريرة عند الطبراني في الأوسط: أعينهما مثل قدور النحاس وأنيابهما مثل صياصي (أي قرون) البقر وأصواتهما مثل الرعد (أنظر ص 54 ج 3 مجمع الزوائد) وإنما يكونان على هذه الصفة لما في سواد المنظر وزرقة العين من الهول والوحشة ويكون حالهما على الكفار أشد ليتحيروا في الجواب. وأما المؤمنون فيبتلون بذلك فيثبتهم الله فلا يخافون ويأمنون، جزاء خوفهم من الله في الدنيا. و (المنكر) أسم مفعول من أنكر. و (النكير) فعيل بمعنى مفعول من نكر كتعب، أي لا يعرفهما الميت لأنه لم ير مثلهما. وذكر بعض الفقهاء أن اسم الملكين اللذين يسألان المذنب منكر ونكير .. وأسم اللذين يسألان المطيع مبشر وبشير (أنظر ص 155 ج 3 فتح الباري) و (في هذا الرجل) قيل تصور له صورة النبي صلى الله عليه وسلم فيشار إليه.
(¬2) سورة الدخان: آية 56.
(¬3) سورة فاطر: آية 22.

الصفحة 15