كتاب الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق (اسم الجزء: 8)

عذاب القبر، وربما كشف لبعض الناس عن شيء فربما ثبت وربما صعق (¬1)،
وليس بعزيز على من أوجد هذا الإنسان من العدم وجعله حيا عالما سميعا بصيرا بعد أن لم يكن شيئا مذكورا، أن يجمع أجزاءه بعد أن تفرقت رمادا في هواء البر والبحر وفي حواصل الطير وبطون السباع، ويجعل للروح اتصالا بها لتحس بالعذاب والنعيم؛ فقد أرانا أعجب من ذلك بأن جعل في الجمادات شعورا وإدراكا (فقد) صح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسمع تسليم الحجر والشجر عليه (¬2)، وأن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يسمعون تسبيح الطعام وهو يؤكل والحصى في أيديهم، وأما حنين الجذع فأشهر من أن يذكر (¬3).
(الثالثة) اتساع القبر وضيقه ونوره وظلمته أمر معلوم من الدين بالضرورة لا مرية فيه لمتشرع لما تقدم من الأحاديث الصحيحة، وفيها أنه يفسح للمؤمن في قبره سبعون ذراعا ويملأ عليه خضرا إلى يوم يبعثون والكفار بعكس ذلك؛ هذا واتساع القبر للروح بالذات والبدن تبع لها فيكون البدن في لحد أضيق من
¬_________
(¬1) انظر ص 113 و 114 كتاب الروح ..
(¬2) روي جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "إن بمكة حجرا كان يسلم على ليالي بعثت إني لأعرفه الآن" أخرجه مسلم والترمذي (أنظر ص 329 ج 3 تيسير الوصول) وقال ابن عباس: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: بم أعرف أنك رسول الله؟ قال: "أن أدعو هذا العذق من النخلة فيشهد لي أني رسول الله، فدعاه فجعل المذق ينزل من النخلة حتى سقط إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: السلام عليك يا رسول الله، ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم: أرجع إلى موضعك، فعاد إلى موضعه والتأم، فأسلم الأعرابي. أخرجه الترمذي (انظر ص 330 ج 3 تيسير الوصول).
(¬3) قال أنس: خطب النبي صلى الله عليه وسلم إلى لزق جذع، فلما صنعوا له المنبر فخطب عليه صلى الله عليه وسلم، فحن الجذع حنين الناقة، فنزل صلى الله عليه وسلم فمسه فسكن. أخرجه الترمذي (أنظر ص 330 ج 3 تيسير الوصول).

الصفحة 29