كتاب ديوان الأحكام الكبرى أو الإعلام بنوازل الأحكام وقطر من سير الحكام

الثانية.
وأفتى أبو عبد الله بن عتاب فيمن توفي عن زوجة مولى عليها وبنين منها، وطلبت عند القاضي كالتها وأثبتها أنها تستحق، ويقضي لها به، وليس عليها اليمين التي على من أثبت حقًا على ميت أو غائب أنه ما قبضه ولا وهبه، ولا أحال أحدًا عيه فيه، ولا استحال على أحد به، وأنه لباق عليه إلى حين يمينه.
قال لي: وترجأ هذه اليمين حتى ترشد فتحلفها حينئذ، فإن نكلت صرفت ما قبضت إلا قدر ميراثها منه.
وقول ابن عتاب في هذه بإرجاء اليمين عليها حتى ترشد فتحلفها، وقول مطرف وابن كنانة بغرجاء يمين السفيه ينكل عنها مع شاهده حتى يرشد فيحلف ويأخذ؛ يدلان على ضعف جواب الشيوخ في مسألة عزيزة؛ بأن لا يميني عليها في العقد الذي ادعى ابن عياض أنه عندها، واحتجوا بأنها كانت مولى عليها وقت وفاة أخيها، ووقت دعواها عليها لأنها قبضته.
وحجتهم هذه ضعيفة لا معنى لها؛ لأنه مدع لبقاء العقد عندها إلى الآن، وقد رشدت، فيما يمنع من إحلافها على ما يدعي أنه بيدها من ماله غير مستهلك ولا فائت؟، وهل ذلك إذا ادعاه بيدها وأخذها إياها وكونه عندها إلا بمنزلة ما لو ادعى أنها الآن أخذته وغابت عليه؟
ولو احتجوا بما ذكره القاضي عنها من احتجاجها بإثباتها عنده أنها من أهل الحالة الحسنة في نفسها والضبط لما لها؛ لكان أولى مما احتجوا به، وقد تقدم أن اليمين لا تلحق في مثل هذا إلا بعد ثبوت الظنة وظهور التهمة، ولو قالوا: فإن شهد لهذه المرأة بالفضل البين والصلاح الظاهر، فلا يمين عليها؛ لأن ما شهد لها به من الحالة الحسنة غير بين في إسقاط مثل هذه الدعوى عنها؛ لأنه كلام محتمل – لأصابوا الصواب وأحكموا الجواب.
ويدل على صحة هذا الذي ذهبنا إليه ونبهنا عليه ما قدمناه: أنه قد رويناه في مسائل انتقدها أبو محمد عبد الله بن إبراهيم الأصيلي عن أصحابنا بالأندلس، حدثنا بها أبو القاسم حاتم بن محمد، عن أب القاسم المهلب بن أبي صفرة قال بعد تقدم بعضها؛ ومنها إسقاط اليمين عن المولى عليه، وتركهم لإجماع المسلمين فيه، واعتلالهم لأن في ذلك إذا نكل عن اليمين سببْا منه لإتلاف ماله -: وهذا خطأ من الاعتلال؛ لانكسار طرد اعتلالهم

الصفحة 110