كتاب ديوان الأحكام الكبرى أو الإعلام بنوازل الأحكام وقطر من سير الحكام

قلت لابن عتاب: أرأيت السفيه المولى عليه بتقديم القاضي، من ينظر له إذا كان له بنون صغار ذكور وإناث، ولم يذكروا في التقديم: هل لهذا المقدم عليه النظر عليه في بيع وشراء وغيره ذلك، دون تقديم عليهم.
فقال لي: ذلك دليل الروايات أن ينظر عليهم ولهم، وأما الذي جرى به العمل عند القضاة فنظره غير جائز لهم، وفعله غير نافذ عليهم حتى يقدم لذلك.
وسألت عن ذلك أبا عمر ابن القطان فقال: جرى العمل ألا ينظر لهم إلا بتقديم مستأنف، ويدل قول مالك على أن ينظر لهم، وذكرها في مساع ابن القاسم عن مالك فيمن حلف في رقيق لابنه ألا يبيعهم بثمن سماه، وللحالف أب. قال مالك: أسفيه هو؟ - يريد الحالف، فقال: لا أرى أن يبيعهم.
وسألت ابن مالك عن ذلك، فقال لي: ينظر لهم، وساتشهد بهذه المسألة، ولم يذكر ما جرى به العمل، قلت: أرأيت اليتيم المولى عليه بوصي من قبل أبيه وهو صغير، إذا بلغ، هل يخرجه بلوغ الحلم من ولاء الوصي دون إطلاق، كما يخرجه من ولاية أيه الاحتلام؟ فقال: لا يخرج من حجر الوصي إلا بإطلاق وليس كالأب.
قلت: أليس الوصي إنما ينظر له بسبب الأب، فكيف يكون أقوى من الأب في إيقافه في الحجران؟
قال: الذي نقول هو النظر؛ إلا أن العمل جرى ببقاء الولاية عليه، حتى يخرج منها ويسرح عنها.
والدليل على هذا الذي قال، ظاهر قول تعالى: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدًا فادفعوا إليهم أموالهم} ودل هذا أيضًا على أنه من لم يؤنس منه رشد فهو باق في التحجير، ولا يدفع إليه ماله، وهو قول مالك وجماعة أهل التفسير، وقال أبو حنيفة: لا يحجر على بالغ، مخالف كتاب الله تعالى وجملة المسلمين (أ – 27)، وكراهة التطويل يمنع من نقل ما فيه في كتاب ابن حبيب وغيره على نصه.
وفي كتاب المديات من المدونة:
عن يتيم بلغ واحتلم ولم يعلم وليه منه إلا خيرًا، فأعطاه ذهبه ليختبره به في تجارته، ويعرف به من حاله، فداين الناس ورهنه دين، قال مالك: لا أرى أن يعدى عليه بشيء، لا في ماله ولا فيما بيده، وقال غيره: يلحقه الدين في ذلك المال الذي بيده واختبر به.

الصفحة 117