كتاب ديوان الأحكام الكبرى أو الإعلام بنوازل الأحكام وقطر من سير الحكام

وهذه المسألة أيضًا تدل على أنه باق في الحجر حتى يرشد ويطلق والله أعلم.
وقد تكلم في ذلك مع أي المطرف ابن سلمة بطليطلة فقال لي: لا يكون الوصي في هذا أقوى من نظر الأب، وإذا احتلم اليتيم ومضى له نحو العام، ولم يظهر عليه سفه، جازت أفعاله.
وفي كتاب الصدقة، قال مالك: يجوز الأب لابنته وإن طمثت ما تصدق به.
قال ابن القاسم: وإن تزوجت وصلحت حالها في بيت زوجها، ولم تقبض صدقتها حتى مات أبوها، فلا شيء لها، وإن كانت بحال سفه جاز ذلك لها؛ لأن مالكًا قال: يجوز الأب لابنه الكبير إذا كان سفيهًا، ألا ترى أن الله تعالى قال: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح ..} الآية! وبلوغ النكاح الاحتلام والحيض، فقد منعهم الله من أموالهم مع الأوصياء بعد البلوغ إلا بالرشد، فكيف مع الذين هم أملك بهم من الأوصياء! وغنما الأوصياء بسبب الآباء.
وهذا من كلام ابن القاسم حجة لما ذهب إليه أبو المطرف بن مسلمة.
وسألت عن ذلك أيضًا أبا عمر بن القطان فقال لي: لابد من إطلاقه من الحجر وإلا فهو باقي فيه، بخلاف الأب؛ لأن أمر الوصي كان بالإشهاد فصار أقوى لأنه كالحكم به، قال: وبه جرى العمل.
وفي النكاح الأول من المدونة قال مالك: إذا احتلم الابن ذهب حيث شاء. قال ابن القاسم: إلا أن يخاف من ناحيته سفه. واختلف المتأخرون هل قول ابن القاسم خلاف أو تفسير؟ والصواب أنه تفسير لأنه موجود من قول مالك في غير موضع، وإليه كان يذهب ابن مالك، وإذا وجد إلى الاتفاق سبيل فرفع الخلاف أولى.
وفي أحكام ابن زياد فيمن عقد على ابنه الولاية:
فهمنا – وفق الله القاضي – ما عقده إبراهيم بن بلح، على ابنه أحمد، من الولاية؛ لما اختبر من سفهه وسوء تدبيره وثبوت عقده بذلك عليه عندك، وأراد القاضي معرفة ما بقي من النظر فيه. فالذي يجب في ذلك أن يعذر إلى أحمد فيه، ويقرأ عليه ما عقده أبوه، ومن شهد في ذلك عليه، فإن كان له عنده فيه مدفع، نظر له فيه القاضي، وإن لم يكن عنده فيه مدفع، أشهد القاضي على ثبوت عقد إبراهيم بالولاية على ابنه أحمد، ووكل عليه من ينظر له إن شاء الله. قاله ابن لبابة. وابن وليد، وعبيد الله بن يحيى، وغيرهم.

الصفحة 118