كتاب ديوان الأحكام الكبرى أو الإعلام بنوازل الأحكام وقطر من سير الحكام

ومصالحه، وإن لم يعلموا كيلها صدق مع يمنه في مبلغها.
وإن أنكر شهادتهم وقال: لم أخذ زريعة، وهم لا يقفون عي كيلها، كلف الإقرار على كل حال، وضيق عليه بالسجن والتشديد والأدب الموجع الشديد حتى يفر، فإن أبى إلا الإنكار، ولم يحقق الشهود قليلا ولا كثيرًا من كيل الزرعية، أحلف ما أخذ من ذلك شيئًا، وأن ما شهدوا به لباطل، وخلي سبيله، وإن استنزل الشهود في ذلك قليلا قليلاً حتى يقطعوا بكيل لا يشكون فيه، قضى عليه بما حققوه، وحلف أن لم يكن أزيد. والله أعلم. وقد تقدم هذا المعنى.
والأصل في التشديد عليه إذا أنكر ما شهدوا به، رواية أصبغ عن ابن القاسم فيمن غصب أرضًا، وشهدت بينة بها لربها إلا أنها لربها إلا أنهم لا يعرفون حدودها، قال: يسجن المشهود عليه ويضيق عليه مع هذه الشهادة، حتى يبين له حقه، فإن بين له شيئًا، وقال: هذا حقه، حلف عليه. قال: وإن لم يبين واستبرئ بحبس وتشديد فأنكر الجميع، أحلف وترك.
وهذه المسألة فيها تنازع يطول الكتاب بذكره، وإن كان هذا الوكيل ترك جنات المحجور وكرومه، وأهمل عمارتها حتى تبور ويبست، فعليه ما نقص منها بتضييعه إياها، كمن دفعت إليه دابة وعلقها وقيل له: اعلفها واسقها حتى تقضي سفرك، فتركها بلا علف حتى ماتت، فعليه قيمتها، والأدب عليه بكل حال في نقضه الدار، وهو الجواب في كل متعد ومفسد.
وشاهدت الفقية أبا عبد الله بن عتاب رحمه الله قد أفتى في وصي باع على يتيمه قمحًا، ثم تخلى عن النظر له، وقدم غيره مكانه، وأشهد المقدم أنه قبض من المنعزل ما كان عنده لليتيم، فقام على المنعزل محتسب على اليتيم، وقال له: كان مبلغ القمح الذي بعث عليه كذا، وبعته بغير وجه يوجب بيعه، وقال الوصي: إنما بعته لأني خفت فساده إذ كان السوس قد أشرع فيه، ولا أقف على مبلغ كيله.
فأفتى بوجوب اليمين على الوصي أن مبلغ الطعام كان كذا، وإنما بعته لتسويسه بثمن كذا، فراجعه الوصي بمحضري، وقال: لا أقف على مبلغ كيله فكيف أحلف عليه؟ فقال له: تذكر واحلف ما توقن به، قلت: فإن أبى أن يحلف قال: [يشدد] عليه بالسجن، فإن أبى أن يحلف بعد السجن أطلق.

الصفحة 125