كتاب ديوان الأحكام الكبرى أو الإعلام بنوازل الأحكام وقطر من سير الحكام

لا يمعنك قضاء قضيته ثم راجعت فيه نفسك وهديت فيه لرشدك أن تراجع الحق؛ فإن الحق مراجعته خير من الباطل والتمادي فيه الفهم الفهم فيما تلجلج في صدرك مما لم يبلغك في الكتاب والسنة، أعرف الأمثال والأشباه، وقس الأمور في ذلك، واعمد إلى أحبها إلى الله وأشبهها بالحق فيما ترى. واجعل للمدعي أجلا ينتهي إليه، فإن احضر بينة آخذ بحقه وإلا وجهت القضاء عليه؛ فإن ذلك أجلى للعمى، وأبلغ في العذر والمسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلودًا في حد أو مجربًا عليه شهادة زور، أو ظنينًا في ولاء أو قرابة فإن الله تبارك وتعالى يتولى منكم السرائر ودرأ عنكم بالبينات. ثم إياكم والقلق والضجر، والتأذي بين الناس، والتنكر للخصوم في مواضع الحق التي يوجب الله بها الأجر، ويحسن بها الذكر؛ فإن من يصلح بينه وبين الله ولو على نفسه يكفه الله ما بينه وبين الناس، ومن يزين للناس بما يعلم الله منه غير ذلك شأنه الله. فما ظنها غير الله بثواب عاجل وخزائن رحمته والسلام (¬1).
قال ابن حبيب:
وحدثنيها على بن سعيد الهذلي عن أبي المليح الهذلي وحدثنيها أصبغ عن الشعبي عن أبي المليح.
وقال محمد بن عبد الحكم في كتابه: روى عيسى بن يونس الشعبي عن عبد الله بن أبي حميد عن أبي المليح الهذلي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى الأشعري: أما بعد وساقها إلى قوله: «يشينه الله».
ورواها ابن لبابة عن العتبي عن الصمادحي عن محمد بن فضيل الضبي عن السري ابن إسماعيل عن الشعبي قال: كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري، سلام الله عليك، فإني أتحمد الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد فإن هذا القضاء ...»، وذكرها إلى آخرها، كما ذلك ابن حبيب إلى: «السلام».
فقد قال عمر في هذه الرسالة: «أجعل للمدعي أجل ينتهي إليه، فإن أحضر بينة
¬__________
(¬1) الحديث أخرجه البيهقي في الكبرى ج 10، ص 135، والدارقطني في سننه ج 10، ص 150، والخطيب في تاريخ بغداد ج 10، ص 449، وأنظر كشف الخفاء للعجلوني ج 2، ص 272، الدراية ج 2، ص 171.

الصفحة 49