كتاب ديوان الأحكام الكبرى أو الإعلام بنوازل الأحكام وقطر من سير الحكام

وجوب ابن جريح:
يا سيدي ووليي ومن أيده الله بطاعته أحسن ايفعله الناس اتباع السلف الصالح رحمه الله وكل من فعل فعلاً لا يشبه السلف الصالح فممنوع، ومستحب أن يمنع منه، فقد قال مالك: بلغني أن أبا سلمة رأى رجلا قائمًا عند المنبر يدعو يرفع يديه فأنكر ذلك عليه، وقال: لا تقلصوا تقليص اليهود، فقيل له: ما أراد بالتقليص؟ قال: رفع الصوت بالدعاء ورفع اليدين. فهذا أبو سلمة ومالك قد أنكرا ذلك عند المنبر بالنهار فيكيف من يفعل وذلك بالليل، لو سمعا ما يفعله سليمان لكان له أشد إنكارًا، لو دعا سليمان ربه في بيته أو سرًا بمسجده لكان أولى به.
وقال مالك: إن تميمًا الداري قال لعمر رضي الله تعالى عنه: دعني أدعو الله وأقص واذكر الناس، فقال عمر: لا، فأعاد عليه، فقال له: أنت تريد أن تقول: أنا تميم الداري فاعرفوني. هذا عمر ينهاه بالنهار فيكيف بالليل. وقد قال مالك: القصص بدعة.
وقد سئل ابن وهب عن المؤذن هل هو في سعة أن يؤذن في أين حين شاء من نصف الليل إلى آخر؟ فقال: لا يؤذن المؤذن إلا سحرًا. قلت له: وما السحر عندك؟ قال: فازجر ممنوعًا، متبعًا بذلك السلف الصالح والأئمة المهتدي رضي الله عنهم أجمعين.
وجاوب المسيلي:
أما بعد، صانك الله بكفايته وتولاك برعايته، وجعلنا من أهل طاعته، فقرأت ما قيم به على سليمان الشقاق، وما أقر به أن يقوم ويدعو ويتردد في ذلك قدر سماعه بزعمه، وسألت عن الواجب في ذلك وهل يباح له ذلك أو يمنع منه؟ وعلمك محيط أن الله سبحانه فرض على نبيه (صلى الله عليه وسلم) قيام الليل، ثم خفضه عنه ونسخه، وقال بعض السلف من المتقدمين: إن قيام الليل فرض على الناس من أطاقه منهم. وصلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حتى تورمت قدماه، وقال لمن عاتبه: أفلا أكون عبدًا شكورًا.
وقال الله تعالى ومدح: {والذاكرين الله كثيرا ولاذاكيران} (الأحزاب: ألآية 35) وقال: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا} (الأحزاب: 41)، وقال النبي (صلى الله عليه وسلم): "ما رأيت أنجى من عذاب من ذلك الله (¬1) " وقال تعالى {فاذكروني أذكركم} (البقرة: من
¬__________
(¬1) ... الحديث أخرجه الحاكم في مستدركه ج1، ص 673 برقم 1825، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه والترمذي ج 5، ص 459 برقم 3377، والإمام مالك في موطئه ج 1، ص 211 برقم 492، والإمام أحمد في مسنده ج5، ص 239 برقم 2232.

الصفحة 619