كتاب ديوان الأحكام الكبرى أو الإعلام بنوازل الأحكام وقطر من سير الحكام

والطريق، في مسألة أصبغ كان واسعًا ظاهر الاتساع، غير مضر بالمارة فكان الاستحسان عنده لمن يريد مثل هذا الطريق أن يترك لئلا يفسد عليه ما بني ويذهب إنفاقه باطلاً، ولعله كان مضطرًا إلى ذلك لضيق ساحة داره، وتقصيرها عما يقوم به في مسكنه، فالمختار لقوله على هذا غير مخالف بل مجتهد في النظر واضع للاستحسان في موضعه، والله ولي التوفيق.
ولما لم يجد ابن غاب عند نفسه علمًا يورده ولا برهانًا على مخالفة يعضده قام مقام الحصر فهذي وخرج عن ذلك المعنى، كما اعترى مصعب بن مقاتل أخو حيان بن مقاتل، خطب خطبة نكاح فحصر فقال: لقنوا موتاكم لا إله إلا الله، فقالت له أم الجارية: الهذا دعوناك؟! عجل الله موتك.
وحضر عبد الله بن عامر على منبر البصرة فشق ذلك عليه، فقال له زياد: لا يشق ذلك عليك أيها الأمير، إنك إن أقمت أكثر من ترى عرض لهم ما عرض لك، فقيل لرجل من الوجوه: قم فاصعد على المنبر وتكلم، فلما صعد حصر فقال: الحمد لله الذي يرزق هؤلاء ويكسوهم، وبقي ساكنًا فأنزله، وصعد آخر فلما استوى قائمًا وقابل وجوه الناس وقعت عينه على صلعة رجل، فقال: اللهم العن هذه الصلعة. ومثله كثير.
وكذلك ابن غالب سئل عن مسألة لم يكن عنده فيها إلا ما قد جاوب به غيره فعدل إلى الغض من العلماء، وظن أن ما سمعه من محمد بن عبد الحكم، ويونس بن عبد الأعلى في أصبغ بن الفرج – رحمه الله – بعض منه ويكدح يه، وهيهات هيهات من ذلك، ولم يعلم أن ابن وهب قال: لا تجوز شهادة القارئ على القارئ يعني العلماء لأنهم أشد الناس تباغيا وتحاسدا، وقاله الثوري للبغي والمنافسة ومن طريق المحاسدة، قال القطان وابن مهدي: سمعناه يقول: ما أخاف على دمي إلا الفقهاء والقراء. زاد غيرهما: ممن أصحابي.
قال القاضي:
هكذا نصه في المبسوطة وأين محمد ويونس من أصبغ، وفي أصحاب أصبغ المتفقهين عليه الحالمين عنه المقدمين له مع كبار أصحاب مالك من يساويهما أو يشف عليهما، مثل عبد الملك بن حبيب، ويحيى بن إبراهيم بن مزين، بالأندلس، وابن حبيب عالمها، كما قال ابن لبابة، بل قاله عنه سحنون لمانعي له ابن حبيب قال: مات عالم بالأندلس، بل والله عالم الدنيا. ذكره الزبيدي عنه في كتاب النحويين له وهو يقول في غير مسألة من

الصفحة 644