كتاب ديوان الأحكام الكبرى أو الإعلام بنوازل الأحكام وقطر من سير الحكام

الواضحة إذا كان فيها تنازع: قال هذا كبار أصحاب مالك/ المغيرة وابن دينار وأشهب وفلان وفلان وأصبغ فيجعله معهم ويسميه في جملتهم.
ومن كبار أصحابه المشهورين محمد بن إبراهيم بن المواز عليه وعنده تفقه على جلالته وتدقيقه للمسائل وتنقيحه، وأبو زيد عبد الرحمن بن إبراهيم الأندلسي صاحب الثمانية معولة فيها عليه وعلى مطرف وابن الماجشون، ولو لم يحمل عنه إلا بعض هؤلاء لكان منقبة لا يخفي سبقه وتقدمه معها وأني للمذكورين مثل هذه الدرجة.
اما محمد فإن ابن حبيب وابن المواز قد ساويا بين أبيه وأصبغ في حملهما عنهما وتفقهما عندهما، ومحمد أكثر علمه عن الشافعي محمد بن إدريس، حضه أبوه عبد الله بن عبد الحكم على الاختلاف إليه والأخذ عنه والتعويل عليه ومع ذلك فمحمد بن عبد الله فقيه كبير محسن، وأما يونس بن عبد الأعلى فلا ذلك له في هذا المعنى، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
وقال فضل بن سلمة راسخ المذهب في وقته وبعده: أخبرني يوسف بن يحيى المقامي، عن عبيد بن سعيد، قال: قدمت على أصبغ بن الفرج، فلما حان توجهي إلى المدينة كتب معي إلى عبد الملك بن الماجشون يسأله أن يجيز له كتبه، فلما قدمت عليه أعلمته بكتابه إليه وهو يومئذ قد كف بصره، فقال لي: اقرأه فلما قرأته. قال لي: اكتب إليه: أشخص للعلم إن كنت تريده فإنما العلم لمن شخص إليه. قال: فذاكرته حال أصبغ، فقال لي: ما أخرجت مصر مثل أصبغ، قال: قلت له: ولابن القاسم؟ قال: ولا ابن القاسم. قال عبيد بن سعيد: كلفًا من ابن الماجشون بأصبغ.
قال فضل: وأخبرني يوسف، عن يحيى بن إبراهيم، قال: لما قدمت على أصبغ سلمت عليه وهو محتب، فأخرج يده من تحت حبوته، وكنت أعرف مروءة أصحابنا بالأندلس، فقلت في نفسي: لقد ضاع سفري إلى هذا الرجل، ثم جلست فلما خاض في العلم، قلت في نفسي: ما يضرك لو أخرجتها على طوقك، يعني يده.
وقال يوسف: قال ابن مزين: أو غيره من أشياخنا: مرض أشهب فدخل عليه عواده، وفيهم أصبغ، فلما خرج من عنده قالوا: يا أبا عمرو من لنا بعدك؟ قال: هذا الخارج عنا، وأخبرنا يحيى قال: كان ابن وهب يقول: يا أصبغ، لولا أن يكون بدعة لسورناك كما تسور الملوك فرسانها.

الصفحة 645