كتاب ديوان الأحكام الكبرى أو الإعلام بنوازل الأحكام وقطر من سير الحكام

قال القاضي:
هذه هي الشهادة القاطعة لتعظيم أصبغ لا قول حاسد باغ، وكله غاب عن تحصيل ابن غالبن ولم يكن في علمه، وقال في جوابه: ورأيت أصحابنا قالوا بهدم الحائط إلا أنهم شرطوا. حتى يذرع ما اقتطع. وأنا أقول باجتهادي: أن الحائط مضروب في غير حقه بإجماع من الشهود، فهدمه واجب إذ صار جسمه أجمع موضوعًا في غير حقه، ثم يكون التذريع من بعد مصحف اللفظ والمعنى.
فأما اللفظ فقوله: حظروا الهدم حتى يذرع لأنهم لم يذكروا تذريعًا، إنما قال بعضهم: يهدم بعد سير الشهود إلى الموضع وحيازتهم إياه وهذا هو الفقه بعينه والعمل الذي لا يجوز الحكم بغيره، كما أنه لا يقضي القاضي بما شهد فيه وثبت عنده من الأصول للمشهود له إلا بعد حيازة الشهود لذلك، وبعد الشهادة والحيازة يكون الإعذار وبه جرى العمل، وقد تقدم هذا في صدر الكتاب، والحمد لله، وأصلح هذه الأجوبة جواب أبي صالح، ومن وافقه.
ذلك هدم الحائط على الحاجب ابن السليم:
إنما تركنا التسجيل في الحائط الذي هدم سعيد بن السليم خروجه به على المحجة، فإن ذلك شيء اختلف فيه أهل العلم علينا، فذهب بعضهم إلى ألا يهدم، وكثر في ذلك بالعلل، فلما اختلفوا كان عند القاضي في علمه أنه قد خرج ولا يعرف القدر، ولمي يجز أن يحكم بعلمه فلما شهد به عنده رجلان يعرفهما إلى علمه، وزادا في معرفة الحيازة رأي إمضاء الهدم.
والأخذ في ذلك بقول من رأى هدمه اجتهادًا منه، ورد ما أخذ من الطريق وترك التسجيل لقول من لم يرد الهدم فتوسط أقاويلهم، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "خير الأمور أوسطها (¬1) " وجائز للحكم أن يتوسط فقد جاء عن عمر بن الخطاب أنه أتى بامرأة زنت فكشفها فقالت: زنيت بمرغوش بدرهمين، تستهل بالزنا مع رجل سمته بمرغوش فكشف من حضره، فقال له علي وعبد الرحمن بن عوف: نراها تستهل بالزنا فعليها الرجم، فقال
¬__________
(¬1) ... ضعيف: الحديث أخرجه البيهقي في الكبرى ج 3، ص 273 برقم 5897، وأبو نعيم في الحلية ج 2، ص 286.

الصفحة 646