كتاب ديوان الأحكام الكبرى أو الإعلام بنوازل الأحكام وقطر من سير الحكام

كمل بها جميع الدار المذكورة وحيازتها، فتأملوا ذلك وجاوبوني عنه مشكورين والسلام.
فجاوب أبو عبد الله محمد بن فرج مولى الطلاع سيدي وولي، تصفحت خطابك وما أدركته فيه، فرأيت نظرًا حسنًا مستقصى، فزاد الله في توفيقك. وثبت عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى (¬1) " والحبس الذي عقده سعد بن يوسف قد تبين بما عقده من التقية المتقدمة تاريخ الحبس أنه لم يرد به التقرب إلى الله تعالى، ولا التزام الحبس، وإنما أراد دفع من خافه على داره وأملاكه. وقديمًا فعل ذلك الناس، لا سيما أهل الخدمة.
فلسعيد بن يوسف شرطه ألا يلزمه الحبس؛ لقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "المسلمون عند شروطهم (¬2) "، وقد أخذ بشرط وباع الدار من ابن ذكوان، وابتاعها محمد بن هشام من ورثة ابن ذكوان على حسب ما ثبت عندك، وذلك كله جائز نافذ صحيح.
ولا حجة لمحمد بن سعيد بن يوسف بأن التقية لم تثبت إلا بالهادة على الخط، لأن الأصل في الشهادة على الخطوط من قول مالك وأكثر أصحابه أنها تجوز في الحقوق، والطلاق، والأحباس وغيرها، إلا أن الذي جرى به العمل من الشيوخ أن يجوز في الأحباس وما تعلق بها، قد حكم القاضي ابن زرب في جائحة في الأحباس مات شهود الجائحة، وشهد على خطوطهم فأجاز ذلك وقضى بالجائحة.
وهذه التقية قد رأيتها ورأيت أصل الحبس هما جميعًا بخط ابن اسمح المعافري وشهادته فيهما جميعًا وشهادة غيره أيضًا، وذلك دليل بينٌ على صحة التقية، فلا يجوز الحكم بما فيه شك، فاستخر الله تعالى وحل العقلة عن الدار وأرددها إلى محمد بن هشام وسجل بأعمال التقية وإبطال الحبس إذْ لم يعتقده الذي عقده موفقًا إن شاء الله.
وجاوبت أنا بعد سيدي وولي: المسلمون مجموعون على أن قضاء القاضي وحكم الحاكم إنما هو بالظاهر، وإن كان لا يقطع بصحة مغيبة لا بالباطن الذي علم حقيقته
¬__________
(¬1) الحديث أخرجه البخاري ج 1، ص 30 برقم 54، ومسلم ج 3، ص 15159 برقم 1907.
(¬2) الحديث أخرجه البخار معلقًا ج2، 794، وابن الجارود في المتقى ج 1، ص 161 برقم 637، والحاكم في مستدكه ج 2، ص 57 برقم 2309، والترمذي ج 3، ص 634 برقم 1352، والبيهقي في الكبرى ج 6، ص 79 برقم 11211، والدارقطني في سننه ج 3، ص 27 برقم 96، وأبو داود ج3، ص 304 برقم 3594.

الصفحة 65