كتاب ديوان الأحكام الكبرى أو الإعلام بنوازل الأحكام وقطر من سير الحكام

وانصرمت الآجال، ولم يأتي بشيء فعجز.
ودعاه الخصم إذ ظهر عجزه إلى رد ما نقض من ذلك وإعادته إلى مثل حالته، وأنصف ما نقص ليقام بتلك الصفة أو يأخذ بقيمة ذلك فنكل عن الصفة وادعى الجهل بها لددًا وتركًا عن الحق، وزعم أنه باعه ولم يحضر نقضه، فدل هذا من قوله أيضًا على باطله ومحكه وهل يبيع الإنسان إلا ما تثبتت معرفته ولا يجهله؟!
فهل ترى رحمك الله للسلطان أن يجبره ويشتد عليه في الصفة بالحبس والجلد، ثم يحلفه عليه إذا كان المتعدي عليه جاهلا بالصفة، فقد رأى مالك في الخصم إذا كان ملدًا ظالمًا أنه يجلد، فيكيف وقد ظهر من هذا التعدي واستحق قبله مع لدده لادعائه الجهل لما يعرف أنه يعرفه، ولا يقع اسم الجلد إلا على الظهرز
الجواب:
في هذا المتعدي الجاهل في صفة ما تعدى فيه واستهلكه أن يقال له: يصح في معقول كل سامع منك ما حكيت من التجاهل أنك لا تنقض إلا ما أحطت به بعيان، وهربك عن الصفة لدد وللملد حكم، قال به أهل العلم من حمل السوط عليه حين تبين لدده فإن وصف صفة وازدجر بالأدب عن التجاهل غرم قيمة ما استهلك.
وإن مضى في تجاهله ولم يزعه عن باطله حمل التأديب عليه وكان المتعدي عليه يحيط بمعرفة ما استهلك له وصف ذلك وأغرم هذا قيمة الصفة مع يمينه على الصفة، وإن ادعى أيضًا جهلا في الصفة فهو في ذلك أعذر من المتعدي أقرب عهدًا بما تعدى فيه.
ولست أقول أن هذا تعذر لمعنى واحد أرى عليه أدبًا في تجاهله بما يشهد الذهن على معرفته، وأدبًا بما اجترم من التعدي الذي لا يجب أن يسوغه أحد، وإذا تجافى الحكم عن تغيير مثل هذا ذهبت الحقوق، واجترأ الملد على إصراره على اللدد، وإذا جهلت الصفة بتجاهل الفريقين أخذ له أوسط قيمة ما يستدل عليه من وجه لمعاينة الموضع ومعرفة قدر ما كان فيه وإن كانت العين غائبة؛ لأنه إذا أخذ في ذلك بأوسط القيمة فكأن العين قومت إن شاء الله.
قال بذلك كله محمد بن غالب، وأيوب بن سليمان، وقال به يحيى بن عبد العزيز إلا ما ذلك من السوط فقد يكون الأدب بالحبس وبما هو دون السوط، وقال عبيد الله بن يحيى إلا أن يتبين للقاضي عن لدده ما يجب ضربه بالسوط، وقال ابن لبابة لا أقول بشيء

الصفحة 651