كتاب ديوان الأحكام الكبرى أو الإعلام بنوازل الأحكام وقطر من سير الحكام

ابن جورج ومن وافقهما: سيدي ووليي وعدتي، ومن أدام الله نفعه، وأبقى بركته، جمعت الفقهاء في دارك عمرت بك، وشاورتنا فيما ثبت عندك لعاتكة من ضرر الفرن الذي أحدثه عبد الرحمن متصلا بدار عاتكة، وثبت عندك أن ذلك مضر بدار عاتكة، ثم أثبت عندك عبد الرحمن أنه قطع الضرر عنها.
ثم أثبت عندك أيضًا عاتكة عقدًا ثانياً أن الفرن المحدث بلصقها ضرر وعيب كبير لاحق بدارها يحط من ثمنها، لقرب الفرن من دارها ولما يتوقع من وقوع النار في الأفران على العادة المفروفة فيها، وأنها لا تجد إن ذهبت إلى البيع من يبتاع منها الدار إلا بحطاط كثير من ثمنها.
فجاوبه فيه الفقهاء أبو المطرف بن جورج – سلمه الله – ومن تبعه على مذهبه: أن ليس لعبد الرحمن أن يحدث على عاتكة ما يعيب دارها، ويوقعها تحت ضرر ما تتوقع في الأفران من النيران على العادة في ذلك، واحتجوا فيه بقول الله تعالى: {ولا تبخسوا الناس أشياءهم} (الأعراف: من الآية 85) وبقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): "لقد أوصاني بالجار حتى كاد أن يورثه (¬1) " ومن ذهب إلى أن يحط من ثمن داره بإصلاح ما له فهو غير آخذ بما أمر الله به، وحض الرسول عليه السلام عليه.
ومما يبين ما تقاله الفقيه أبو المطرف، ومن تبعه على قوله ما روي عن الرسول عليه السلام من قوله: "لا ضرر ولا ضرار (¬2) " والضرر عند أهل العلم أن تضر نفسك لتضر بغيرك، فكيف بمن أصلح مال نفسه بإفساد مال جاره وقد أمر الرسول عليه الصلاة والسلام، في حديث طويل في حجة الوداع، إذ جعل حرمة الدماء والأموال سواء، وحرمها وضمنها في العمد والخطأ، فكيف بمن قصد فساد مال أخيه المسلم بإصلاح ماله! ومن هذا وشبهه عن الرسول كثير.
وقد روي عن مالك في رجل وضع جرة زيت حذاء باب رجلن ففتح الرجل بابه ولا علم عنده بالجرة، وقد كان مباحًا له وغير ممنوع أن يفتح بابه ويتصرف فيهز فانكسرت الجرة فضمنه مالك من قول الرسول أنه تضمن أموال الناس بالعمد والخطأ،
¬__________
(¬1) ... الحديث أخرجه البخاري ج 5 من 2239 برقم 5668، ومسلم ج 4، ص 2025 برقم 2624.
(¬2) ... الحديث تقدم تخريجه.

الصفحة 656