كتاب ديوان الأحكام الكبرى أو الإعلام بنوازل الأحكام وقطر من سير الحكام

عاتكة القائمة، وأنك أعذرت إليها في ذلك، فأثبتت عندك أن إحداث الفرن بقرب دارها عيب كبير يحط كثيرًا من ثمنها؛ إذ لا يقدم كثير من الناس على ابتياعها بسبب، ولا يجب – وفق الله القاضي – أن يراعى هذا ولا يتلفت إليه بعد ثبوت انقطاع ضرر الدخان.
والضرر فيما أجمعوا عليه من ذلك وما اختلفوا فيه منه مجمعون على أنه إذا قطع الضرر محدثه وزاله فلا يعرض له، ولا أعلمهم نصوا في انحطاط ما يحدث عليه الضرر إذا ارتفع الضرر تكلموا فيه، وفي تركهم النص عليه دليل بين أنه لو كان ذلك مما يجب أن يراعي ومنع بسببه محدثه لبينوه وذكروا، إذ قد تكلموا في معاني الضرر وأقسامه بما سطروه في كتبهم، وفي مسائلهم ما يدل على ذلك مما لا يجب أن يراعي.
والذي أقول به وأتقلده من مذهبهم قديمًا: أن جميع الضرر يحب قطعه إلا ما كان من رفع بناء بمنع هبوب الريح وضوء الشمس، أو ما في معناهما فإنه لا يجب قطع ذلك، إلا أن يثبت أن محدثه قصد به الضرر بجاره، وكذلك كل ضرر بؤول إلى انحطاط قيمة ما يجاوره لا يتعدى الضرر المحدث إلى شيء غير انحطاط القيمة الخاصة.
والدليل على صحة ما ذكرته من ذلك: ما وقع في كتاب حريم الآبار من المدونة، وهو: قلت: أرأيت الرجل يرفع بنيانه فيمنعني الريح التي كانت تهب في داري والشمس أيكون لي أن أمنعه من أن يرفع بنيانه إذا كان ذلك مضر لي في شيء من هذا الوجوه؟
قال: لا يمنع من هذين، وإنما يمنع إذا أحدث كوًا وأبوابًا يشرف منها، ولم نسمع من مالك في الشمس والريح شيئًا، ولا يمنع من ذلك.
وفي كتاب القسمة من المدونة نحو هذا، وزاد قلت أرأيت إن كانت لي عرصة إلى جانب دار قوم فأردت أن اتخذ في تلك العرصة حمامًا أو فرنًا أو موضعًا لرحى، فأبى علي الجيران فقال: إن كان ما تحدث ضرر على الجيران من الدخان وشبهه منعت من ذلك:

الصفحة 658