كتاب ديوان الأحكام الكبرى أو الإعلام بنوازل الأحكام وقطر من سير الحكام

مصروف إلى عليم السرائر المجازي على النبات والضمائر، وهو دليل كتابي تعالى وسنة نبيه (صلى الله عليه وسلم)، قال الله تعالى: {ولا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وتُدْلُوا بِهَا إلَى الحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإثْمِ وأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} (البقرة: 188).
وثبت من حديث مالك وغيره بالإسناد الصحيح المتصل أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، فلعل بعضكم أن يكون ألحق بحجته من نبعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه، فمن قضيت لهب شيء من ق أخيه فلا يأخذ منه شيئًا، فإنما أقطع له قطعة من النار (¬1) ".
فدلت الآية وهذا الحديث على أن الحكم قد يقع في ظاهره مما ألحق في باطنه، وأن الحاكم لم يتعمد بتعرف الباطن؛ إذ هو تكليف ما لا يطاق. {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} (البقرة: من الآية 286).
واليقين قد حصل بصحة الحبس بالوجه الذي أجمع الشيوخ على تجويزه في الأحباس، وبيع المحبس إياه ونقله إلى ممتلك سواه غير مقطوع على صحته، وإن كان باع لأنه باع ما حبس.
وبيع الحبس لا يجوز، وإذا بيع فالبيع يه مفسوخ، ولا خلاف في هذا عندنا.
ورأيت شهود عقد الاسترعاء في بيع الدار المحبسة من ابن ذكوان قد قطعوا شهادتهم عما تضمنه العقد، وقيدوها على حسب ما شهدوا به عندك، وكانت الشهادة على نص العقد أقوى. وبهذا صار التبايع غير متيقن على الوجه الذي يجب به الحكم.
وما خاطبنا به مدار الكلام فيه على فصلين: هذا أحدهما، وقد أشرنا بما يغني مثلك عن شرحه وبسط معانية.
والفصل الثاني: الشهادة على الخط: وهي تنقسم على وجوه، منها:
الشهادة على خط المقر على نفسه بحق من مال أو طلاق أو عتاق أو وصية وشبهها.
وشهادة الشاهد على خط يده في شهادته وهو لا يذكرها.
والشهادة على خط القاضي في خطاب أو حكم.
¬__________
(¬1) الحديث أخرجه البخاري ج 2، ص 867 برقم 2326، ومسلم ج 3، ص 1337 برقم 1713.

الصفحة 66