كتاب ديوان الأحكام الكبرى أو الإعلام بنوازل الأحكام وقطر من سير الحكام

هذا من البنيان في حقه لموضع الأندر لكان قد أضر به ومنع من حقه.
وإذا أحدث الأندر إلى جانب الجنان وأضر تبنه بها مع محدثه من هذا؛ لأن هذا بمنزلة الحمام والفرن يحدث في جوار الدار فيضر دخانهما بمن جاورهما، فإنه منع من إحداثهما، وليست من الأفياء التي ليس أحد أن يمنع منها أحد.
وفي الثمانية لأبي زيد نحو هذا، قال ابن حبيب في كتاب آخر، وهو كتاب السداد لحسين بن عاصم، نحو ما تقدم، وزاد قال عنه وعن عبد الله بن الحكم: وليس لأحد حجة في حبس ريح أو شمس أو قمر أو ما أشبه ذلك من الأفياء، وإنما الحجة في الأحداث التي أحدثها الناس بأفعالهم، فتكون من المضرة بأعيانهما، مثل مصب ماء أو فتح كوة يطل منها، أو ما أشبه هذا، فتلك الأحداث التي يمنع محدثها من إحداثها، قال عبد الملك وهو قول العامة وبه أقول.
ولسحنون في المستخرجة في بعض الروايات مثل هذا، وزاد سحنون كما لا يمنع من رفع بنيانه لمنع جاره من ضوء الشمس وهبوب الريح، واختلف قول سحنون في هذا، وقد اختلف هوله في الأندر اختلافًا كبيرًا، وإنما ذكرت هذه الروايات لقولهم: ولو منع هذا من البنيان لكان قد منع من حقه وأضر به، ولم يمنع الباقي من التصرف في أرضه وإن كان في ذلك مضرة على جاره، إذ ذلك الضرر مما لا يوجب قطعه عندهم.
وقد بينوا ذلك في آخر المسالة، وبينوا أن ضرر الحمام والفرن هو الدخان، ولم يذكروا انحطاط قيمة ولا غيرها. فتدبر ذلك وتدبر قوله أيضًا: وإنما الحجة في الأحداث التي أحدثها الناس بأفعالهم، فتكون هي المضرة بأعيانها، في ذلك المعنى الذي وصفته وفي المدينة وغيرها.
قال ابن كنانة فيمن له أرض في مجص فأراد أن يبني في هذا، وقال الذين حوله: لا تبن فيها، فإنك تضر بزرعنا. قال لا يمنع أن يبني ما شاء إذا كان له مخرج إلى الطريق في أرضه. فلم يراع أحد ممن تقدم قوله في شيء من هذه المسائل نقصان القيمة.
قال فضل: سئل يحيى بن إبراهيم عن الرجل يفتح بابًا في الزقاق النافذ أو غير النافذ فيطل منه على جاره وجدار جاره تصير نحو الحيطين وشبههما، فإن بني خيطًا ثالثًا ثم يطل عليه، فقال يجبر جاره على أن يبني خيطًا ثالثًا، وليس له أن يضر جاره، ولا يمنعه من فتح بابه إذا كان على هذا النحو. فتأمل – وفقك الله – إلى هذه المسألة وقد قال فيها فضل: إنها

الصفحة 660