كتاب ديوان الأحكام الكبرى أو الإعلام بنوازل الأحكام وقطر من سير الحكام

وقعت هذه المسألة بعنيها في كتاب السلطان من المستخرجة: أنه لي لأحد أن يتخذ نحلاً تضر ببرج حمام قديم، وما أعلم بينهم في ذلك اختلاف، وأسأل الله أن يحضرك التوفيق والرشد والتسديد. قاله ابن لبابة، ومحمد بن وليد، وسعد بن معاذ، ويحيى بن سليمان وغيرهم.
مسألة أخرى مثلها:
قال أبو عبد الله بن وليد: الذي نقول به أن كل ضرر يحدثه الرجل على جيرانه فهو ممنوع منه؛ لقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "لا ضرر ولا ضرار" وليس يكون من الضرر شيء أبين من أن يأتي الرجل فيدخل على أهل القرية ما يهلك حمامهم ويؤذ في صبيانهم، فيجب أن يمنع هؤلاء من إدخال الأجباح في دورهم ويقصروا على ذلك إن شاء الله، ولا يستطاع الاحتراس من النحل والحمام، كما لا يستطاع الاحتراس من البهائمولا ضرر أعظم من اتخاذ ما لا يستطاع الاحتراس من أذاه. وقاله ابن معاذ، وابن لبابة، ويحيى بن سليمان.
قال القاضي:
قولهم في المسألة التي قبل هذه: وقد وقعت هذه المسألة بعينها في كتاب السلطان من المستخرجة أنه ليس لأحد أن يتخذ نحلا يضر ببرج حمام قديم، وهو خطأ وتصحيف للتي في الكتاب المذكور، وأظنهم كتبوا ذلك في جوابهم متكلين على حفظهم فخانهم الذكر وغلب عليهم النسيان الذي هو آفة علم الإنسان، إنما في كتاب السلطان في بعض الروايات، وهو أيضًا في كتاب الجدار:
وسئل عيسى بن دينار:
عن الحمام والنحل يضر بشجر القوم إذا نورت وبكرومهم، أيمنع صاحبها من اتخاذا عليهم، ويؤمر بإخراجها؟ قال: نعم، أو ما يشبه ذلك الماشية تعدوا على الكرم والشجر والزرع، وحفظ الزرع ونحوه على ربه؟ قال: لا يشبه النحل الماشية؛ لأن النحل والدجاج الطائر والحمام لا يستطاع الاحتراس منها، كما يحترس من الماشية، ألا ترى أن الماشية الضارية لفساد الزرع تغرب وتخرج، فما أستطيع الاحتراس منه فهو كالماشية لا يؤمر صاحبها بإخراجها عنهم، وقد قيل فيمن له كواء في حائطه أو عرفته تجتمع فيها البراطيل فتؤذي الناس في زروعهم: إنه يؤمر بسدها.

الصفحة 669