كتاب ديوان الأحكام الكبرى أو الإعلام بنوازل الأحكام وقطر من سير الحكام

عنهما؛ إلا على الخط وما دهى به منه وكتب عليه.
قال أرى أن يشهد على الخط ولا يشهد الرجل إلا بما يعرف على من يعرف وبعلمه فيمن يعلم. أما سمعت الله تعالى يقول: {وما شهدنا إلا بما علمنا} (يوسف من الآية 81) {إلا من شهد بالحق وهم يعلمون} (الزخرف: من الآية 86).
وقال مطرف مثله. وقال: ممن ضعف أمر الخط وضعف الشهادة به أن رجلا لو قال وهو قائم صحيح: هذا خطي، ولست أذكر القصة، ولا أحظ المعنى الذي كتبت خطي فيه، لما كانت شهادةولا جازت جواز العلم والقول، فكيف يأتي رجل إلى خط غيره يشهد عليه، ويقطع أنه كتابه وعلمه فيمضي ذلك وينفذ. وهذا هو الصحيح عندي الذي لا أقول بغيره، ولا اعتقد سواء، وهو دليل المدونة وغيرها.
قال بن القاسم: قال مالك: من رأى شهادته بخطه في كتاب ولم يذكرها فلا يشهد بها حتى يستقينها، ولكن يؤديها هذا كما قد علم.
قلت: أتنفع هذه الشهادة إذا أداها هكذا؟ قال: لا (¬1).
وقيل لمالك في سماع أشهب: أيقول هذه شهادتي بخط يدي إلا أني لا أذكر من الشهادة شيئًا؟ قال: لا، بل يقول: أرى كتابًا يشبه كتابي وأظنه إياه ولست أذكر شهادتي ولا أني ولا حتى كتبتها برفعها على وجهها إن لم يكن في الكتاب محو. وقال عنه ابن نافع: لا يشهد، وقال: قد أثبت غير مرة بخط يدي ولم أثبت على الشهادة فلم أشهد، وقاله ابن القاسم وأصبغ، قال ابن حبيب: وهذا أحوط، وإذا كان هذا قولهم في شهادة الشاهد على خط نفسه، فكيف يصح القول بشهادة شهود على خط شاهد أو شهود، لكني أذهب إلى جواز ذلك في الأحباس خاصة على ما أتفق عليه شيوخنا رحمهم الله اتباعًا لهم واستحسانًا لما درجت عليه جماعاتهم وقضى به قاضئهم وانعقدت سجلاتهم، وإن كان ابن لبابة قد قاد أصله ألا تجوز في حبس ولا غيره، وقد ذهب إلى ذلك غيره، ممن لا يلتفت إليه والجمهور أولى بالاتباع، وقد قال كثير منهم نظير هذا مما لم يكن عنده في النظر قويًا.
وحسب المجتهد منا اتباع السلف وقد أجازوا غير ما شيء على الاستحسان فأخذوا فيه
¬__________
(¬1) انظر المدونة ج 12، ص 145.

الصفحة 68